لويس بيلي، ولد عام 1240هـ/1825م، وانخرط في جيش بومباي بالهند وخدم في الحرب الإيرانية عام 1273هـ/1857م، وقام بعدة مهام سياسية فخدم بوظيفة سكرتير المفوضية البريطانية في طَهْرَان بعد أن وصلها قادماً من طرابزون في تركيا لاستلام منصبه. و عندما أنهى مهماته قفل عائداً إلى الهند بطريق هراة وقَنْدَهَار مرتدياً البَزَّة الرسمية البريطانية، فكان بذلك أول بريطاني يمر بالمنطقة منذ الحرب الأفغانية 1254 – 1258هـ/1838 – 1842م. وبعد أن أمضى فترة قصيرة كمندوب سياسي في زِنْجِبَار، أرسل إلى الخليج العربي كمقيم سياسي عام 1279هـ/1862م. وأبدى نشاطاً كبيراً بالتنقل في المنطقة. وكان في تحركاته وأعماله فاعلاً لكن تعوزه الرويّة والتعقل، وكان من أوائل المسؤولين الإنكليز الذين رأوا عدم كفاية حفظ السلام في المنطقة، بل وجوب رفع السويّة المعيشية لشعوبها. وكان يدعو لإنشاء مستعمرة بريطانية على شبه جزيرة المسندم التي تعد من أكثر المواقع حرارة على الأرض . بقي بيلي في منصبه بالخليج حتى عام 1290هـ/1873م، وبعد ذلك تولى عدة مناصب هامة في الهند، ومراراً ما دخل في صراعات سياسية مريرة. وفي عام 1300هـ/1883م دعاه ليوبولد ملك بلجيكا ليصبح حاكماً مدنياً للكونغو؛ لكن بيلي آثر الدخول في البرلمان البريطاني. توفي بيلي عام 1313هـ/1895م.
هذه الرحلة هي عبارة عن تقرير يحمل الرقم (57)، أرسله لويس بيلي إلى وزير الدولة البريطانية في بومباي: سي . كون بتاريخ 1/1/1283هـ الموافق 15/5/1866م. يصف فيه رحلته من الكويت إلى الرياض لمقابلة الإمام فيصل بن تركي بن عبد الله آل سعود. وكان الهدف الرئيس من هذه الرحلة كما قال بيلي هو: إبعاد مشاعر العداء عن مخيلة الأمير (فيصل بن تركي آل سعود)، التي حملها من جراء أعمالنا حول تحريم تجارة الرقيق على الشاطئ الشرقي لأفريقيا ومهاجمتنا للسواحل. وكذلك لتوثيق عُرى الصداقة وإحلالها محل ذلك العداء. وقد جاء في الرحلة وصف الطريق والناس الذين مر بهم. كما وصف ديوان الإمام فيصل وذكر كبار رجالات الديوان. بدأت الرحلة في شهر شعبان 1281هـ الموافق يناير 1865م وكان خط سيرها كالآتي: الكويت – ملح – لقيط – الوفرة – تلّة الكبريت – الوريعة – كنيسات – المهيريات – الغرّا – عريق الدحول – أوتاد – شوية – الغيلانة – عريق بنبان – سدوس – الملقى – الرياض. وخط سير العودة كان كالآتي: الرياض – الدغم – مخيط – سعد – الدهناء- عريج – روات البيضا – ربيداء – روضة الحنى – الفروق – الأحساء- العقير. والعقير وهو أحد الموانئ السعودية القديمة على الخليج العربي حيث أبحر منه بيلي متوجهاً إلى بوشهر يوم السبت 21/10/1281هـ الموافق 18/3/1865م.
قبيلة عـنزة في تقرير بيلي
يقول بيلي في تقريره ص54: لدى جميع بدو نَجْد باستثناء أربع عشائر هي: سبيع ومطير و عنزة وشَمَّر، عادة نصب صليب يعلق عليه ثوب أحمر على مدخل الخربوش الذي ستجري به عملية الختان. هذا الكلام غير صحيح أبداً، خاصة بعد انتشار الدعوة الإصلاحية السلفية بين الناس، ولم نسمع بهذه العادة إلا عند الصَّلُبَة فيما مضى. والله اعلم. يقول بيلي في تقريره ص55: رغم أن الأمير نفسه يرد إلى عشيرة عنزة من حيث النسب، فعلاقته بها ليست طيّبة. الأمير المقصود به هو الإمام فيصل بن تركي آل سعود رحمه اللهحديث بيلي عن نسب آل سعود هو المشهور والمعروف فهم من عنزة. وأود أن أذكِّر القارئ الكريم أن هذه التقرير قد كتب عام 1282هـ/1865م، ولو عرف قولاً آخر لذكره، فهو المندوب الرسمي لدولته بريطانيا، ولا بد أن يخبرهم بالحقيقة التي توصل إليها، والرائد لا يكذب أهله، أضف إلى ذلك أن دليل بيلي أحد مشايخ قبيلة سُبَيْع ومعهم أحد أفراد الصَّلُبَة، ولو رافقهم أحد من عنزة لقلنا أخذ معلوماته من هذا الوائلي. أما قوله: فعلاقته بها ليست طيِّبة. هذا الكلام غير دقيق!! فقبيلة عنزة قبيلة كبيرة، وهي في الحقيقة مجموعة قبائل، وهي تمتد من خَيْبَر إلى نَجْد إلى شمال الجزيرة العربية إلى بلاد الشام والعراق. وهذا التوتر الحاصل بين الإمام فيصل وبين إحدى قبائل عنزة لم يوضحه بيلي، ولم يوضح اسم القبيلة. ويقول في موضع آخر ص116: وعلاقتهم (أي السعوديين) سيئة عادة بعشيرة عنزة الضخمة، التي تنتشر مضاربها في الصحاري الشمالية. لم يذكر بيلي أسباب هذا التوتر في العلاقة بين الإمام فيصل وبين قبيلة عنزة، إلا أنه لم يجاب الصواب عندما قال: الضخمة. فهي فعلاً ضخمة في عددها، وعدد فرسانها، وكبر أراضيها التي تسكنها وتسيطر عليها.
ذكر بيلي في الملحق رقم10 ص151 عشائر البدو في نَجْد وأعدادها التقريبية والدخل السنوي الذي تؤدية للأمير، وذكر أن عدد عنزة في نَجْد هو: 600 فرد، ومقدار الزكاة التي تؤديها هو: 4000 ريال. وهذه الإحصائية التي أرفقها بيلي مع تقريره تقريبية كما ذكر هو نفسه. بل هي غير صحيحة!! حيث إن عنزة التي في نَجْد أكبر بكثير من هذا العدد الذي لا يعدو كونه فَخْذَاً من الدَّهَامِشَة أو السَّلْقَا، إضافة إلى ذلك أنه لم يحدد هذه القبيلة أو القبائل الوائلية من تكون؟! زد على ذلك العشائر والقبائل الوائلية بعيدة عن العاصمة الرياض ولا يوجد لها ثقل هناك.
ذكر بيلي في الملحق رقم12 ص155 قائمة بالسلالات المختلفة للخيل العربية في نَجْد حيث قال: هناك خمس سلالات (أرسان أو أحواج) أساسية هي: صَقْلاَوِيَّة قِدْرَان.كُحَيْلَة العجوز. عُبَيَّة شَرَّاك. دْهَمَة شُوَيْمَان. وَذْنَة خرسان. والرَّسَن الأول غير متوفر في نَجْد، ومنه القليل لدى عشيرة عنزة. ومن هذا الرَّسَن الأول سلالة هجينة تتوفر تحت اسم صَقْلاوِي العبد. ويقول محقق الكتاب الدكتور أحمد إِيْبِش في الهامش: وصَقْلاوِي العبد هي سلالة خيل آل شِعْلاَن شيوخ قبيلة الرُّوَلَة. تحدث بيلي في تقريره عن بعض القبائل العربية بخلاف الواقع والحقيقة، مثل حديثة عن قبيلة العَوَازِم بأن لهم دين مستقل!! وهذا من خيال بيلي الواسع، فقبيلة العَوَازِم قبيلة كريمة، مثلهم مثل قبائل الجزيرة العربية، يدينون بالإسلام ولا يعرفون غيره؛ بل هم من أهل السُّنَّة والجماعة ولله الحمد.
لم تحقق الرحلة ثمارها المرجوَّة منها، فلقد توفي الإمام فيصل بعد هذا اللقاء بمدة قصيرة نسبياً في 14/7/1282هـ الموافق 2/12/1865م رحمه الله، وأعقب ذلك فترة من الاضطرابات في الجزيرة العربية بوقوع الخلاف بين ابني الإمام فيصل: عبدالله وسعود، وبانشقاق إمارة جبل شَمَّر في حائل، وأميره محمد بن عبدالله الرَّشِيْد، واتخذت مندوبية بوشهر التابعة لحكومة الهند البريطانية موقفاً عدائياً محضاً من الدولة السعودية.
المصدر / قبيلة عنزة الوائلية في كتابات الرحالة والمستشرقين . للمؤلف – فائز الرويلي