مقالات

عندما كذب الظاهري على منير العجلاني

علم التاريخ احد العلوم الإنسانية التي تقل فيها الحيادية ، وتكثر لها مبررات التزييف والتحريف ، فضلا عن صياغة النظريات السطحية وفق هوى الباحث ، فالتاريخ اذن يبتلي بنوعين من القارئين : 1-قاريء سطحي التفكير والاطلاع ، 2-وقاريء عميق الاطلاع والتفكير، بيد انه قد لايريد بعض الحقائق التاريخية فليلجأ للتحرف والتزوير .

اما قارئنا الأخ الأستاذ العلامة : محمد عمر العقيل الذي يلقب نفسه ( ابن عقيل الظاهري) فهو لاشك من النوع الثاني ، هذا الرجل الذي اعتمدت عليه دارة الملك عبدالعزيز في التحقيق لكثير من مخطوطاتها ، ومنها مخطوط (مثير الوجد في انساب ملوك نجد) ، رغم ان المخطوط قد حقق قديما على يد باحث من جمهورية مصر العربية سنة 1397هـ ، لكن الدارة اختارت إعادة التحقيق على يد الظاهري مجددا عام 1419هـ بلا سبب الا فتح المجال للظاهري ان يقوم بما قام به من تسويف وتحريف طال نسب الائمة الكرام آل سعود ونسب قبيلة عنزة الوائلية تحريفاً وتشويهاً!
ليس لمحمد عمر العقيل اية قداسة ،او مكانة تمنع نقده ، وان كنا مقدرين سابقته وسنه من باب الالتزام الشخصي تجاهه ،مما يحضنا عليه ديننا الحنيف واخلاقنا العربية ،ولذلك لن نطيل في القول ان هذا النقد لابي عقيل الباحث والمحقق وامام الفكر الظاهري كما يصنف نفسه.
في هذه المقال سنتعرف على كذب الظاهري المتعمد على المؤلف منير العجلاني ، صاحب موسوعة (تاريخ البلاد العربية السعودية) ، حيث نقل بكل صفاقة مالم يقله منير العجلاني وامتد الكذب الى سمو الأمير عبدالله بن بن عبد الرحمن (شقيق المؤسس) رحمهم الله جميعا .

عندما راجعت كتاب العجلاني وقارنت بما نقله الظاهري عنه اصبت بصدمة وذهول ، ليس بشخص العقيل نفسه ، بل بجرأته على هذا النقل المزور مع علمه بانتشار كتاب منير العجلاني،والذهول ممتد الى مؤسسة مثل دارة الملك عبدالعزيز كيف غفلت-وربما تغافلت- عن هذا النقل والتحريف وسمحت به !
ادعى الظاهري على لسان منير العجلاني الكثير من الترهات ، ناقلا من غير تنصيص كلمات لم يتفوه بها العجلاني، ومقاصد كانت بالعكس تماما مما يفهمه قاريء كتاب تاريخ البلاد العربية الذي ينسب له الظاهري مالم يقله، فالعجلاني الذي اهتم بمسألة نسب آل سعود رأى بوضوح ان آل سعود من قبيلة عنزة الوائلية المعاصرة ، واستصوب نسبهم الموروث الى المصاليخ من عنزة المعاصرة ، وانما كان مناط النقاش لدى العجلاني يتمحور حول نقطتين :
1-نسب قبيلة عنزة الحالية بين (عنزة بن أسد) ام (عنز بن وائل) وكلاهما من ربيعة ،بينما ادعى الظاهري ان العجلاني ناقش نسب آل سعود فقط الى القبيلتين !
2-النقطة الثانية التي رأها العجلاني شاذة ومصطنعة مثل نسبهم الى حنيفة رأساً او نسبهم الى شيبان رأسا عند ابن جريس! بينما ادعى الظاهري ان العجلاني تبنى النسبة الحنفية للعائلة المالكة الكريمة!
في الوقت الذي كذب الظاهري على العجلاني وجعله يرى النسبة العنزية شاذة وانه أي العجلاني- يرى حنفية آل سعود نجد العكس تماماً حيث قال منير بالحرف الواحد : (كانت عشيرة مانع، جد آل سعود ،كما يقول ابن بشر ،ويردف انها فرع من حنيفة ،استنادا الى رواية ابن سلوم عن ابن خنين قاضي الخرج،وقد تناقلها مؤلفون آخرون في نجد الذين اعتبرو قوله القول الفصل مع انه ناقل يخطيء ويصيب)أهـ

ونلاحظ هنا أن العجلاني يعتبر (حنفية آل سعود) قول شاذ قائله رجل واحد وغيره نقله منه ، مع توضيح العجلاني بقوله(مع انه ناقل يخطي ويضيب ) انه ضد هذا القول ، بيد أن الظاهري قال في 31 أن منيرا نقل قول قول ابن بشر عن ابن سلوم عن ابن خنين ثم قال على لسان منير : ( فان صح لدينا أن مانعا مريدي حنفي عرفنا بذلك أسماء آباءه من حنيفة حتى عدنان ..)أهـ
وهذا النص لم يقله العجلاني ولم يتفوه به ، بل انتقل العجلاني بعد تهميشه للنسب الحنفي الى نقاش سلسلسة ابن جريس وفيها نسب آل سعود الى شيبان ووضح العجلاني انها أيضا سلسلة مصنوعة وغير دقيقة من صنع ابن جريس نفسه !!

قصة عنزة

قال الظاهري نقلا عن منير العجلاني  سألت صاحب السمو الجليل الأمير عبدالله بن عبدالرحمن عميد امراء آل سعود اليوم ومن افقههم واعرفهم بالتاريخ عن رأيه في نسبة آل سعود الى عنزة ، فكان جواب سموه : نحن حنفيون !
قلت: وقصة عنزة :فقال سموه :ان كانت عنزة عند بعضهم مرادفة لربيعة أو وائل فيمكن القول تجوزا اننا من عنزة ! بمعنى اننا من ربيعة )أ.هـ

وهنا كذب صريح من الظاهري ، فلم يكن سؤال العجلاني عن (قصة عنزة) بل العكس هو الصحيح ، قال العجلاني بالحرف والنص :
(كنا قد سألنا الأمير عبدالله بن عبدالرحمن ، عميد آل سعود بعد وفاة الملك عبد العزيز رحمها الله ، عن النسبة الحنفية ،فلم ينكرها ولم يستهجنها ،وان كانت النسبة القبلية لاتعني دائما نسبة البنو والدم،فقد تكون نسبة التحالف او النسبة الى الأرض أو الى الوادي الذي سيطرت عليه حنيفة وعُرف باسمها ،ولذلك قال هذا الأمير أن ال سعود حنفيون ربعيون عدنانيون..واذا قيل اننا عنزيون فمعى ذلك اننا وائليون)أهـ
ومن نص العجلاني تتضج جوانب صارخة من كذب محمد عمر العقيل نلخصها هنا :
1-فقد كذب بقوله ان العجلاني سأل الامير :وماقصة عنزة !؟
2-وكذب في ان الأمير انكر النسبة العنزية وقال نحن حنفيون!
3-وكذب بعكسه للحقيقه وهي ان الأمير يرى عنزية آل سعود والقول بحنيفة غير مستهجن ،بينما أوحى الظاهري ان الأمير تبنى الحنفية واستنكر عنزة، وقال كذبا على لسان الأمير انها قول من يرى ان عنزة مرادفة لربيعة لاستغراقها عنزة كل ربيعة بنظر بعضهم!!
4-وكذب بتحميل قوله عن الفرق بين (عنزة أسد) و(عنز بن وائل) مرجعه للامير ، بل الأمير قال بوضوح انه اذا قيل اننا من عنزة فمعنى ذلك اننا وائليون!
5-وكذب الظاهري أيضا على منير بجعل النسبة العنزية تشبه (الجنسية) ولاتعني القربى ، لان منير انما قال قال ذلك عن (النسبة الحنفية) وليس عن النسبة (العنزية) لكن أبو عقيل الظاهري قال كاذبا على لسان العجلاني ص45 : (النسبة العنزية أشبه بالجنسية القومية أو السياسية منها برابطة النسب والدم) ونسب القول للعجلاني!
6- كذب الظاهري على العجلاني وانه يؤيد كلام الأمير عبدالله بن عبدالرحمن عن نسب آل سعود الى حنيفة ، حيث نقل الظاهري هذا النص : (ومايقوله سموه في اعتقادنا هو الحق،وفيه إشارة واضحة الى تطور مدلول عنزة وتوسعه بحيث استغرق عشائر ربيعة ولم يعد قاصرا على عشيرة عنزة وحدها)أهـ ،ثم يقوم العقيل بكل صفاقة بتصحيح كلام العجلاني الذي هو نفسه افتراه ، فيقول الظاهري بالحاشية مصححا كذبته : (ولم ترد عنزة مرادفة لربيعة البتة)! ص43
قال منير : ( ويبدو ان هولاء المؤلفون -الأجانب- رجعوا في اجتهادهم الى الكتب القديمة التي تتحدث عن عنزة بن أسد ،فظنو ان العشائر العنزية في الوقت الحاضر تتحدر منها ،والأرجح انها تتحدر من وائل)أهـ

وهنا نلاحظ ان العجلاني عندما تحدث عن (عنزة بن أسد) و(عنز بن وائل) انما كان حديثه عن نسب القبائل الوائلية المعاصرة كافة المعروفة باسم عنزة ، بينما أوحى أبو عقيل ان العجلاني كان يخص آل سعود في الحديث عن وائل !
فالعجلاني لايناقش هنا نسب آل سعود الى عنزة ، وهو محسوم لدى العجلاني ولدى الأمير عبدالله بن عبد الرحمن،لكن يناقش اصل القبيلة المعاصرة التي تحمل اسم عنزة ، حيث تبنى العجلاني وفق سياق النص ان عنزة الوائلية المعاصرة هي امتداد (عنز بن اوئل) !

وسمو الأمير عبدالله بن عبد الرحمن كان خبيرا ومطلعا على القبائل في نجد ويعرف فروعها وانسابها، بل كان مرجعا للبلاط السعودي بما يخص هذا الامر، واستعان به فؤاد حمزة في مايخص القبائل في كتابه (قلب جزيرة العرب) ، ولاريب ان فؤاد حمزة نقل منه نسب آل سعود الى المصاليخ من عنزة وأوردها في كتابه الآنف الذكر ، وكل من يزعم ان الأمير عبدالله بن عبد الرحمن رحمه الله انكر يوما نسب آل سعود الى عنزة انما مرجعهم تلفيقات الظاهري التي اثبتناها هنا و طبعت عام 1419هـ في مقدمة تحقيق (مثير الوجد في انساب ملوك نجد)!

مقالات ذات صلة

حلف الأزد وربيعة وقيام الدولة العباسية 132هـ

فريق التحرير

ال سعود حاضرة ام بادية: قراءة نقدية موسعة

فريق التحرير

صراع الهويات المصطنعة

فريق التحرير

حذف التعليق