مقالات

أخبار ثورة شبيب الشيباني سنة 76هـ

انها قصة تعد من أبرز الادلة ان لمقولة (التاريخ يعيد نفسه ) مايفيد انها مقولة قاعدية الطابع عند تكرار الظروف والحيثيات ،واحد ثمار دراسة التاريخ هو القدرة على التنبوء في مسارات الاحداث حتى قبل وقوعها ، بين ايدينا ملخص لثورة خارجي اموي من قبيلة ربيعة كما ننقلها ملخصة من كتاب ( الجذور التاريخية لقبيلة عنزة الوائلية ).
بداية الحدث
كان احد بني تميم وهو صالح بن مسرح من الذين يرون عدم شرعية الحكم الاموي في ذلك العهد ، ويرى انهم أي بني امية – ائمة جور وظلم ، وكان صالح يقيم دعواه في بلاد ربيعة فيسمع دروسه وخطبه الكثير منهم ، ولاتخلتف مدرسة صالح كثيراً عن بقية مدارس من سبقه من الخوارج منذ زمن علي بن ابي طالب ، فالقاسم المشترك بين جميع هذه المدارس هو تكفير الولاة والحكام وان اختلفوا ببعض التفاصيل .
أحد هولاء الذي تبعوا صالح بن مسرح التميمي هو شبيب بن يزيد الشيباني المكنى بـ ( ابي الصحاري ) ، وقد اتفق شبيب مع صالح على الخروج المسلح في سنة 76هـ ، الان ان الحجاج لن يوسف ارسل لهم جيشا تمكن من هزيمتهم وجرح صالح وتوفي في نفس السنة في منطقة يقال له جلولاء في بلاد ربيعة .
شبيب تمكن من جمع بقية فلول اتباع صالح بن مسرح ، وبايعوه كخليفة لصالح المذكور وبتوليه مكان صالح اصبح لحركته شأن آخر .
كان شبيب مقيماً لدى عنزة حول الموصل ، وعنزة كانو جزءأً من بكر تلك الحقبة ، كما ان ام شبيب ذاته من عنزة .
وكان مع شبيب المحلل بن وائل اليشكري ، واخوه (اخو شبيب) المدعو مصاد بن يزيد الشيباني ، وقد دعا شبيب كافة الخوارج الى الوقوف معه ضد السلطات الاموية ، وابرزهم سلامة بن سنان الشيباني الذي كان على عداء مع عنزة رغم انهم اخواله ايضا وابناء عمه.

شروط سلامة بن سنان للانضمام لشبيب 
كان سلامة بن سنان قد خرج قبل ثورة صالح بن مسرح ، ولجأ الى ديار عنزة حول الموصل قاعدة ربيعة ، ولكن عنزة اختلفوا فيما بينهم على مناصرة سلامة بين قائلين بمناصرته كونه ابن لهم ، وبين قائلين بوجوب ابلاغ السلطات عنه وعن الخوارج الذين معه .
واجمعت عنزة على مقاتلة اتباع سلامة ماعدا بطن يقل لهم (بنو نصر) وهم اخوال سلامة ، فهزم سلامة واتباعه وقتلوا الا انه نجا بنفسه مما جعله يعاتب اخواله بقوله :
وما خلت أخوال الفتى يسلمونـه***لوقع السلاح قبل ما فعلت نصر 

ونتيجة لهذا وبعد ثورة شبيب اشترط سلامة بن سنان على شبيب ان يعطيه ثلاثين فارساً لغزو عنزة وقتالهم والانتقام منهم ، وان ضمن له شبيب عدم التدخل فانه سينضم اليه .
وافق شبيب على شرط سلامة بن سنان ، وانطلق الاخير الى عنزة حول حرة انقيا قرب الموصل ، وفاجأهم وقتل منهم عددا كبيرأ بما فيهم ابن خالته، ثم انضم بعد ذلك لحركة شبيب وبايعه على الموت ، وتفاصيل الحادثة عند البلاذري نقلا عن ابن الكلبي :
(وقال ابن الكلبي: لما اعتقد شبيب ارتفع إلى أرض الموصل، فدعا سلامة بن سيار الشيباني إلى الخروج معه، وكان فضالة بن سيار أخوه يقول: الفضل بن سيار قد خرج قبل خروج صالح بن مسرح فقتلته عنزة، ففرض لهم عبد الملك وأنزلهم بانقايا من حرة الموصل – فاختار سلامة من أصحابه ثلاثين فأغار بهم على عنزة فقتل منهم بشراً، وقال شعراً يقول فيه:
فصـحـبـتـهـم قـبـل الـشــروق بـــفـــتـــيةٍ**مساعير لا كشف اللـقـاء ولا عـزل
ولـيسـت دمـاء الــيقـــدمـــيين بـــالـــتـــي**توازي دماء الحي شيبان في القتل
لعـــل جـــيادي أن تـــعـــود عـــلـــيهــــــم**فتـنـزلـهـم دار الـصـغـار مــع الـــذل

ارعب مافعله سلامة وبتواطوء من شبيب بقية بطون بكر وخاصة شيبان ، ففروا ومعهم عنزة وبني يشكر الى الجبال خوفا من اجبار شبيب لهم على بيعته ، ثم نزلوا في منطقة يقال له ( دير خرزاد ) في ديار ربيعة .
حاصر شبيب قومه بكر وهم نحو ثلاثة آلاف على رواية الطبري المؤرخ ، ومع شبيب سبعين رجلا من اشجع وافتك الخوارج ، وكان هدف شبيب فيما يبدوا ليس قتال قومه ، بل انه يريد ان يأخذ امه فقط ، وقد تمكن شبيب من ذلك بعدما قتل عدد كبير من قومه .

تطورت حركة شبيب بعد هذا ، وهزم اكثر الجنود الذي بٌعثوا لقتاله من قبل الحجاج بن يوسف امير العراق لذلك العهد ، ويبدوا ان السلطات الاموية قد استهانت بشبيب حتى استفحل امره وكثر اتباعه وتوالت غنائمه من الانتصارات .
طمع شبيب فقام بالاغارة على الكوفة احدى اهم مدن العراق ، الا انه لم يتمكن منها بسبب التحصين الجيد من قبل الحجاج ، فرحل الى بادية الانبار واخذ يغزوا القبائل هناك ويرغمهم على دفع الاتاوة .
ثم تمكن شبيب من دخول الكوفة اخيراً مما كان له صدى كبير ، حيث اقتحم اتباعه المسجد الاعظم هناك وهو مسجد علي بن ابي طالب رضي الله عنه ، وقتلوا من وجدوا بالمسجد من المسؤولين في حكومة الحجاج .
وكان بالكوفة عدد من اشراف ربيعة ، ابرزهم النضر بن القعقاع بن شور الذهلي ، وقد سلم النظر على شبيب ووصفه بالامير ربما خوفا منه، الا ان شبيبا اراد من النظر أن يصرح وصفه لشبيب ببلقب (امير المؤمنين) فرفض النظر فقتله اتباع شبيب .
الحجاج يعيد ترتيب اوراقه لمواجهة شبيب 
طبيعة قتال شبيب كانت تميل الى الكر والفر وعد الحفاظ على الارض ، بل التركيز على الغنائم الاستهلاكية من خيول وابل .
لذلك ولان شبيب يعلم بان الحجاج لن يسكت وكان مقر الحجاج في البصرة تحول شبيب الى القادسية ، فارسل له الحجاج جيشاً بقيادة زحر بن قيس ، الا ان شبيب هزم زحر واتباعه شر هزيمة .
وقد توالت انتصارات شبيب حتى ارعبت الناس والسلطات ، ودخلت سنة 77هـ وشبيب لازال يوجه لقوات الحجاج بن يوسف الضربات الموجعة دون رادع حقيقي .
المواجهة الكبرى مع شبيب سنة 77هـ
قرر الحجاج استنفار السلطة الاموية في الشام للمساعدة الفعلية في حرب شبيب ، وتمت الاستجابة لطلبه وحشد الجنود باعداد كبير بلغت اربعين الفاً في مقدمتهم رايات قبيلة ربيعة التي ينتسب اليها شبيب .
في مقابل ذلك فان اتباع شبيب لايزيدون عن الست مائة ، فلما تواجه الجيشان رأى شبيب رايات قومه ربيعة واضحة وهي تستعد لمواجهته فصاح قائلاً :
لمن هذه الرايات؟
فقالوا: رايات لربيعة. فقال شبيب: طالما نصرت الحق وطالما نصرت الباطل، والله لأجاهدنكم محتبساً، أنا شبيب، لا حكم إلا الله ، اثبتوا إن شئتم! 

ورغم هذا الجيش الضخم المخصص لاستئصال شبيب بن يزيد الا انه تمكن من الحاق الهزيمة به ، بفعل القوة المعنوية والشجاعة المفرطة لاتباع شبيب ، هذا الانتصار جعل شبيب يجبر المنهزمين والاسرى على بيعته كامير للمؤمنين .
وتوجه شبيب الى الكوفة مرة اخرى وهو يريد ان يجد الحجاج بن يوسف ليقتله ، واشتبك هناك مع انصار الحجاج وهم من المدد الذين جاؤا من الشام ، وكانت الاشتباكات من اعنف ماحدث في الكوفة منذ انشائها زمن عمر بن الخطاب وحتى وقت ثورة شبيب .
وقد ظهر نوع من التفوق لجند الشام على اتباع شبيب ، ماجعل معنوياتهم ترتفع ويواصلون الحملة على شبيب واتباعه بغية ابعاده عن الكوفة على الاقل وهو ماحصل بالفعل اذ اضطر شبيب الى الخروج من الكوفة باتباعه الى بادية الانبار الى الغرب .
ويبدوا ان سبب انهزام شبيب هو عدم قدرة جنوده على حرب المدن ، اضافة الى ان الحجاج بن يوسف شخصيا هو من قاد هذا الاشتباك المباشر مع شبيب .
وفاة شبيب الشيباني بشكل مفاجيء 
اشتبك شبيب مع الحجاج في الانبار بعد مغادرته الكوفة ، وبينما كان شبيب يعبر بجنوده نهر دجلة هروبا من جند الحجاج وقعت فرسه في فجأة في النهر وغرق فتفرقت جماعته بعده .
وقيل برواية اخرى لمقتل شبيب كما روى الطبري والاثير في التاريخ ، ان جنود شبيب كانو يمقتونه بسبب ان اكثر غزواته على قبائلهم ، واكثر ضحاياه اقارب لهم ، بل واقارب لشبيب نفسه ولاننسى اغارته على عنزة وبني شيبان ، فقيل انهم احتالوا عليه لهذا السبب واسقطوه عمدا في النهر بالاتفاق لكي ينهو حالة الحرب والقتل التي اصبحت ديدنهم منذ ان تبعوا شبيباً هذا .
وبهذا انطوت صفحة هذا الرجل الشجاع الذي لن ينساه التاريخ العربي ابداً ، وليس شبيب ببدع من الخوارج في كل الازمنة حين توظف الشجاعة بغير محلها وتصبح معولا لسفك الدماء بدعوى التقرب الى الله بدماء المسلمين كما تفعل عصابات داعش الآن !

اعداد / نايف بن غانم الفقير

مقالات ذات صلة

حلف الأزد وربيعة وقيام الدولة العباسية 132هـ

فريق التحرير

الكرم عند العرب… يخجل أمم أوروبا

فريق التحرير

النسابة الجدد والغرضية في النسب الوائلي

فريق التحرير

حذف التعليق