بحوث ودراسات

علاقات البدو بأهل القرى .. قبيلة مطير أنموذجاً

ما يفْصل البدو عن الحضر من تخصص في العمليات الإنتاجية, هو الذي يجمع بينهم في عمليات المقايضة الاقتصادية, وتبادل المصالح والسلع والخدمات، وتتجدد هذه العلاقة سنويا في فصل القيظ «وقت المقاطين» حينما تقطن كل قبيلة على مواردها وآبارها غير بعيد من إحدى القرى أو المدن التي عادة ما تربطها مع القبيلة علاقة حلف أو نسب, وهناك الكثير من القرى التي هي أشبه ما تكون بقواعد للبدو إذ يقوم وجودها واقتصادها على ما تقدمه لهم من خدمات تجارية وحرفية, في أيام المقاطين تصبح القبيلة أقرب ما تكون إلى الحضر, ليس فقط في كونها تقطن عادة بالقرب من تجمع حضري لغرض المقايضة والتبادل، وإنما أيضاً من حيث التنظيم الاجتماعي لأنها في هذه الفترة من السنة تستقر, مثلما يستقر الحضر, وتتجمع مثلما يتجمعون، بل إن البدو ترتاد سوق القرية للبيع والشراء فيكون بينهما تبادل اجتماعي ينتج عنه تكثيف الاتصالات وتجديد العلاقات وتبادل الأخبار وتناشد الأشعار, هذا هو الوقت الذي يجني فيه الفلاحون محاصيلهم الزراعية من تمر وقمح وغير ذلك من المحاصيل التي يحتاج إليها البدو مثلما يحتاج إليها الحضر يجلب البدو إلى سوق القرية ما يريدون بيعه من ماشية وسمن وإقط ومنتجات صوفية لمقايضتها بما يتوفر لدى الحضر من قمح وتمر وملح وسكر وقهوة وشاي ودخان وقماش وحبال وغيرها من المنتجات والمصنوعات التي لا تتوفر في الصحراء, وبعد حصاد الزروع يسمح الفلاحون للبدو بالاستفادة من حقولهم المحصودة ورعي ماشيتهم على ما يتبقى من قصب القمح بعد الحصاد بينما يستـفيدون هم من روث الماشية في تسميد هذه الحقول، هذا التمايز الإنتاجي يعزز الاعتماد المتبادل بين البدو والحضر, ويؤكد العلاقة التكاملية بينهما وحاجة كل منهما إلى الآخر وارتباط كل منهما بالآخر.

وقد أشار إلى ذلك ابن خلدون إشارة مقتضبة في قوله: إن اختلاف الأجيال في أحوالهم إنما هو باختلاف نحلتهم من المعاش, فإن اجتماعهم إنما هو للتعاون على تحصيله والابتداء بما هو ضروري منه ونشيط قبل الحاجي والكمالي, فمنهم من يستعمل الفلح من الغراسة والزراعة ومنهم من ينتحل القيام على الحيوان من الغنم والبقر والمعز والنحل والدود لنتاجها واستخراج فضلاتها, وهؤلاء القائمون على الفلح والحيوان تدعوهم الضرورة ولا بد إلى البدو لأنه متسع لما لا يتسع له الحواضر من المزارع والفدن والمسارح للحيوان وغير ذلك, فكان اختصاص هؤلاء بالبدو أمرا ضرورياً لهم, وكان حينئذ اجتماعهم وتعاونهم في حاجاتهم ومعاشهم وعمرانهم من القوت والكن, والدفء وإنما هو بالمقدار الذي يحفظ الحياة, ويحصل بلغة العيش من غير مزيد عليه للعجز عما وراء ذلك.

ومما يؤكد اعتماد البدو على الحضر قولهم عيشة البدوي على الفلاح, أي على ما يقوم به من الزراعة والإنتاج الذي يقوم البدوي بشرائه منه ويشكل التمر الذي ينتجه الحضر عنصراً أساسياً في غذاء البدو لا يستطيعون العيش بدونه، إن حيوانات الحضر من إبل يستخدمونها في أسفارهم ونقل بضائعهم أو ضأن يستفيدون من ألبانها يودعونها عند البدو إذا لم يكونوا في حاجة إليها كما أن أهل الغرس من الفلاحين لا غنى لهم عن الإبل التي يجلبونها من البدو, ويستخدمونها في «السواني» لجذب الماء من الآبار العميقة لري غرسهم وزراعتهم( 1).
أنواع العلاقات:
من هذه العلاقات ما يسمى بالخاوة, وعنها يقول محمد العبيّد: ولو لا لطف الله بهذه الطريقة, وأمثالها مما يسمونه «سلوم» لكان جميع الحضر منحصرين في مدنهم ولا يسير لهم قوافل(2 ).

ومثال الحماية مساندة مطير لأهل عنيزة ضد الروقة: قال العبيد(3 ) في حوادث عام 1289هـ: في هذه السنة أتى مسلط بن ربيعان بعربانه من الروقة وضيّق على أهل عنيزةفاستنجد أمير عنيزة زامل بن عبدالله السليم وجماعته أهل عنيزة ببادية مطير النازلين حولهم، فغزوا على مسلط بن ربيعان وعربانه, وأخذوه في نفود صعافيق ممايلي وثيلان وأخذوا «سبلا» أباعر مسلط ابن ربيعان المشهورة ثم إن مسلط ابن ربيـعان بعـد هــــذه الوقعة طلب الأمان من زامل فأمّنه ودعاه إلى ضيافته في عنيزة، فأكرمه، ورد عليه شيئاً منها، وكان مسلط يشاهد الجزازير وهو في عنيزة يسوقون الناقة من الإبل وينحرونها فقال:
ياليت سبلا يوم جاها بلاها
ما هيب عند مصرّفة خضر الأرباع

وعن علاقة مطير ومواقفهم مع أهل عنيزة أيضاً في وقعة دخنة عام 1295هـ كما سبق, قال عبدالرحمن بن إبراهيم البطحي قصيدة منها (4 ):
واذكر مطير اللي لنا حلفٍ وديد ـــ خصَّ العبيوي حالته من حالها
دعسان بن شريان وسلطان العقيد ـــ في ماقفينٍ طيّب الله فالها
برواق ودخنة بعضنا لبعضٍ زنيد ـ كلٍّ وفا واوفى لها مكيالها

قال دوتي:.. لقد ضمنت عنيزة الأمان لطريق تجارتها بإهداء مطير شحنة أو شحنتين من التمر سنوياً. «ترحال في الجزيرة», ج2, ص 367.
وعن نظام دفع الخاوة من أهل القرى يقول الرحالة والين الفنلندي: تدفع القرية الخوة ثياباً لشيخ القبيلة الرئيسي ولأصحاب النفوذ في البطون المختلفة، وفي نجد تدفع تمراً وذرة، والحماة يطلب أن تستضيفهم بكرم إذا زاروها, ويطلبون كذلك أن تساعدهم في الأحوال الطارئة وهم يدافعون عنها ويحمونها من متطلبات القبائل الأخرى. ويقومون أيضاً بدور الوسطاء في النزاعات التي تنشب بينهما وبين القبائل( 5).
ومن المعلوم أن القبائل تأخذ مقابل مرور الحجاج وغيرهم بأراضيها ذهاباً وإياباً لما يحدثونه من استهلاك مراعي القبيلة, ونزولهم على آبارها, واستهلاك مياهها, وإقامتهم فيها إضافة إلى التجاوزات التي قد تحصل من بعض أفراد الحجاج وغيرهم، كما أنها عادة قديمة متّبعة، وقد تطورت الآن في وقت الدول فأصبحت تسمى بالجمارك والتأشيرات والضرائب ونحوها.
جاء في كتاب البدو الرّحل عبر التاريخ ما نصه: كانت علاقات الإتاوة، تسمى «خوّة» وآخذ الإتاوة ودافعها يسميان «أخوين». وكان يمكن لأي بدوي شكلياً أن يصبح الأخ الحامي للقرية المتحضرة أو القبيلة شبه المتحضرة. ولكن هذا الشخص كان يتمثل على الدوام تقريباً في أحد الشيوخ أو العقداء. وهو إما أن يستأثر بخوة الحماية وإما توزع على وجهاء القبيلة كلهم ( 6).
وتحدث العقيد الروسي عبدالعزيز دولتشين عن بعض هذه العادات فقال: إن البدو يعتبرون أنفسهم الأسياد الحقيقين لمناطقهم، ويعتقدون على هذا الأساس أنه يحق لهم أن يجيزوا أويمنعوا أن تمر في أراضيهم القوافل التي للسلطات مصلحة بهذا النحو أو ذاك في سلامتها. ويرسلون لأجل التفاوض وسطاء من ممثلي القبائل المجاورة المحترمين ( 7).
وهذه الحقوق التي يتكفل بها صاحب القرية هي ما طالب بها محسن ابن مهيلب أهل القصيم أثناء مرورهم بديار جماعته فقد قال ابن عيسى في تاريخه, وهو يتحدث عن وقائع سنة 1273هـ: وفيها في آخر ذي القعدة قام بن مهيلب شيخ بريه على حاج أهل عنيزة, وهم على الداث الماء المعروف ( 8).

وقال ابن بسام في تحفة المشتاق: وفي هذه السنة نوّخ ابن مهيلب شيخ الوساما من بريه من مطير حاج أهل عنيزة على الداث ـ شعيب في ناحية القصيم الغربية ـ وطلب منهم أشياء فامتنعوا وحصل بينه وبينهم كلام فغضب وأمر من معه من العربان بأخذ الحاج فأخذوهم( 9).

وقال ابن عيسى عن حوادث عام 1273هـ: وفيها في آخر ذي القعدة قام ابن مهيلب شيخ بريه على حاج عنيزة, وهم على الداث الماء المعروف, وطلب عليهم مطالب, فامتنعوا من إعطائه, فأخذهم( 10). وأخذهم ليس لأنهم حجاج بل لأمور بينهم لم يبيّنها البسام حيث قال: وطلب منهم أشياء, فامتنعوا وحصل بينه وبينهم كلام فغضب ومن خلال التمعن في هذه الجملة يتضح أن هناك حقوقاً مطلوبة وواجبة على أهل عنيزة يجب أداؤها لابن مهيلب. والبسام من أهل عنيزة وهو طرف غير محايد ولم يفصّل القضية وخلفيّاتها .

لقد ألف البدو أن يفرضوا على أهالي القرى المجاروة للبادية نوعاً من الضريبة لقاء حمايتهم أو عدم التعدي عليهم, وكانت تسمى هذه الضريبة «الخوة », وربما فرضوها أيضاً على المسافر الذي يعبر المناطق التي ينزلونها, وتصبح من ديارهم. وقد تعوّد الأهلون حفاظاً على أنفسهم أو على أموالهم وتجارتهم أن يدفعوا هذه الخوة لشيخ القبيلة أو لأحد المتنفذين فيها. وهي جعل معلوم من المال يصحبه أحياناً بعض الهدايا من ثياب ومؤن, وكان كل قرية لها تجارة أو معاملة مع البدو أولها ماشية تتعرض لغزوات البدو وتتفق مع متنفذ في القبيلة فتجعله أخاً لها, وتدفع له حق هذه الأخوة أي الخوة ( 11).

ومنها أيضاً ما يُطالب به البدو السلطات أثناء مرورهم بأراضي القبيلة كما سبق, فقد كتب اللواء إبراهيم رفعت باشا عن بركة الشويّب ما نصه: وفي منتصف الساعة الثانية عشرة وقد أصبح صباح السبت ثامن المحرم عام 1319هـ قمنا من صفينة وسرنا إلى الشمال الشرقي ثلاث ساعات ونصفاً، وإلى الشمال الغربي ستاً ونصفاً فتلك عشر ساعات سيراً، واسترحنا ساعة وقت الظهر فكنا في منتصف الساعة الحادية عشرة نهاراً قبالة «السويرجية»(12 ) في مسيرتنا مسيرة ست ساعات، وأقمنا حيث انتهى بنا السير، ولم نعرّج على محطة السويرجية، لأنه كان معنا المياة الكافية، والطريق من صفينة إلى قبالة السويرجية سهل رملي إلا بعض بقاع فيه، وأشجاره كثيرة وحره شديد، وبه جملة برك تجمع فيها ماء المطر، فسقينا الحيوان، وقد وافانا حيث أقمنا الشيخ «بركة الشويّب»( 13) وله مرتب سنوي 60 ريالاً «بطاقة» يأخذها من صرة المحمل عند مروره بأرضه، نظير محافظته عليه، وقد طلب من الأمير مرتب السنة الماضية لأن المحمل لم يمرّ فيها، من الطريق الشرقي الذي نحن بصدد وصفه فلم يأخذ مرتبها ــ والعادة تثبت عند العرب بمرة واحدة ــ فأبى الأمير فأسرّها في نفسه وتصادف أنه لمّا حضر الشيخ بريكة, كان معه نحو ثلاثين هجّاناً مسلحين، فأناخوا هجنهم قبالة سرادق الأمير، فأمرهم بنقلها إلى جهة أخرى بلهجة شديدة، فامتلأت من ذلك نفس الشيخ بركة وصحبه، وعرفت ذلك في وجوههم، فتلافيت الأمر، وأخذتهم إلى خيمتي وذبحت لهم كبشاً وصنعت لهم ثريداً يعلوه الأرز فسُرّي عنهم وأكلوا وشربوا وازداد فرحهم لمّا قدمت لهم شاياً وهوة، وأوقدوا ناراً أمام خيمتنا وصنعوا لنا قهوة عربية ودعوني فشربت معهم، وكان مما قاله لي الشيخ بريكة ساعة حضر إلى خيمتنا هذه الجملة: «يا بيه الباشا هذا علومه فاسدة يا راجل» وقال بلا خوف: نحن كلاب يقول لنا: امشوا امشوا ؟!، ولكن إكرامنا له وحفاوتنا به أزالت ما علق في نفسه وطلب مني أن أتكلم مع الباشا الأمير بشأن مرتب السنة الماضية، فكلمته واتفق الأمير مع صندوق الصرة والكاتب الأول على أن يصرف له نصف المرتب فرضي الشيخ بركة بذلك، ورجا الأمير أن يكلم وزير المالية في صرف النصف الآخر، فوعده المساعدة وأعطاه نصف رأس من السكر، ونحو رطل من البن، وبعض من البقسماط، وكذلك أعطيته بعض البن والسكر فزاد فرحه، وعاد إلى قبيلته بعد أن رافقنا يوماً بعد حدوده التي كان يرافق فيها المحمل كل سنة(14).

ويقول لويس موزيل: أكثر ما يزعج الهدوء هم البدو الرحل, إذ إن حقول وبساتين ومستودعات السكان الملتصقين بالأرض تشكل محرضاً دائماً لهم لا يستطيعون مقاومته, وهذا أمر يعرفه السكان المستقرون ولذلك يدفعون لبعض العائلات البدوية مبالغ منتظمة ويضعون أنفسهم بذلك تحت حمايتهم وبهذه الطريقة يصبح السكان المستقرون مرتبطين بالبدو أكثر أو أقل وتعبّر هذه العلاقة عن نفسها حتى في التصورات الدينية ( 15).

والخوّة من جانبها الاجتماعي فيمكن اعتبارها أساساً للعلاقات الاجتماعية سواء بين البدو أنفسهم من قبيلة واحدة أو نتيجة حلف أو جوار أو تحت مظلة الصداقة, أو معبّرة عن لون من ألوان العداء, أو بين البدو والحضر الذين قد يجتمعون مع البدو في أصل أو حلف أو جوار أو يتعاملون معهم تعاملاً عاماً, كما أن أقساماً من الفريقين قد يضمر العداء للفريق الآخر, ولكنهم تحت ضغط الظروف القاهرة قد يلجأون للتعامل الاجتماعي مع بعضهم البعض والخوة من جانبها الاقتصادي تخضع لنوع العلاقة التي تتم بها الخوة من جانبها الاجتماعي التي تجاوزت بعلاقاتها المتعددة لتشمل كافة الفئات الاجتماعية في نجد ومن هنا يمكننا القول إن الخوة بجانبها الاقتصادي والاجتماعي تعد أهم ركيزة يقوم عليها المجتمع النجدي بشكل عام والبدوي بشكل خاص, وكانت هي النمط الاجتماعي المنظم للحياة في الصحراء أثناء غياب السلطة السياسية ولهذا فقد كان كان العابرون نجداً والقادمون إليها يضعون في أوليّات رحلتهم الاستفادة من خوة إحدى القبائل الموهوبة, ويرصدون لذلك ما يتطلبه من مرتبات أو جوائز مقطوعة حيث كانت تشكل مورداً مالياً جيداً لابن البادية( 16), ومن هنا كانت الخوّة اقتصادياً واجتماعياً بعلاقاتها المتنوعة تشكل مورداً مالياً داخلياً وخارجياً للمجتمع النجدي عامة, كما تقوم بكافة أنواع العلاقات الداخلية والخارجية بما توفره من أموال من النجديين, وغيرهم, وبما توفره من فرص الاحتكاك والاتصال بين فئات المجتمع النجدي, وبين المجتمع النجدي والقادمين إليه من البلدان الآخرى, وهذا ما يسمح لنا بأن نطلق عليها «دبلوماسية البدو» حيث تقوم بكافة مهام الدبلوماسية بسائر أنواعها ( 17).

وقد يطلق عليها «دخلة» مثال ذلك: موقف الشطيطي للعتيبي مع أهل عنيزة، وهو أنه سافر سليمان الحمد الدعيجي من عنيزة مع جماعة من أهل ضرية فوصل معهم في ضرية وأجّر معهم رفق من الدلابحة اسمه «ملوح» يسير معهم في الخفارة عن قبيلته عتيبة كافة، فمشى من ضرية هو ورفيقه قاصداً مكة، ومع الرجل المذكور من المال ما يساوي ثلاثة آلاف ريال وهي كلها خاصة لعبد الله الجفالي، والرجل المذكور مأجور لعبدالله الجفالي فصدف أن وافقهم غزو من مطير ذوي شطيط, وليس معهم من مطير رفيق ينهى عنه قبيلته مطير, فأخذوا ما معهم جميعاً, وسلبوا ثيابهم, وكانوا قريباً من الشعب الذي يسمى شعب العسيبات، ينزله عرب من الروقة وهم المراشدة الذي رئيسهم أبو خشيم, فكان من حسن الصدفة وسبب عقيلة هذا المال على أهله أن رجلاً من المراشدة يسمى مطلق ابن عسير معه بضاعة يبيعها لعبدالله الجفالي, وكان لهذا الرجل جار من ذوي شطيط(18) فصادف أنه قبل مجيء الشخصين للعرب بيوم واحد كان بيد مطلق بن عسير عصا خيزران تساوي ربع ريال فطلبها منه جاره المطيري الشطيطي, فاعتذر قائلاً: والله يا جاري إنها حلال الجفالي من بضاعته, وليست لي وإلا كان أعطيتك إياها وإذا كنت تريدها «دخلة» أدخل بها عليك حلال الجفالي من مطير بني عمك فخذها، فأخذها فحفل وكفل. فما راعهم بعد غروب الشمس إلا والرجلان ينزلان عليهم, فأخبروهم بما جرى وأن الذي أخذهم من عربان بني شطيط، فقام مطلق بن عسير على جاره, وقال هذه السيرة وهذه السيرة «يعني أنه سرد له القصة» ويلزم أننا الليلة نسري ونطلبهم قبل أن يصلوا العرب فإن وصلوهم قبل أن ندركهم تمزق الحلال الذي معهم، فركبوا وسروا بليلتهم وأدركوهم قبل أن يصلوا أهلهم بنصف يوم وردوا ما معهم بيمين حلفها المطيري لأبناء عمه أنكم يوم أخذتوها أنها في وجهي فردوها, ولم ينقص من المال شيئاً أبداً. قال محمد العبيّد : ولولا لطف الله بهذه الطريقة وأمثالها مما يسمونه «سلوم» لكان جميع الحضر منحصرين في مدنهم ولا يسير لهم قوافل( 19).

بل إن القبيلة قد تحمي من يلوذ بها, وإن لم يكن له حق حماية, مثاله: كان رجلاً من أهل المجمعة يقال له ابن ركبان قاصداً الكويت، وعندما اقترب من حدود الكويت اعترضه جرمان الرخيمي من علوى وأخذ رحائله، فصعب موقف ابن ركبان حيث ليس له جار ولا قبيلة ولا عانٍ، عند ذلك لجأ إلى فلاح أبو شويرات وعلي أبو شويربات, وقال:
عانلّكم من بعد يا منقع الطيب ــ لا لي قصير ولا ذكر لي عواني
غريب دار وفي ديار الأجاني ــ ولا لي صديق ولا ذكر لي دواني
سانين مسنيين من غير تجريب ــ وتعلّمون الجاهل المغلطاني
وانتم مروية الشبا والمغاليب ـ وانتم هل القالات زمل الصخاني
تدرون من جرمان وانتم الاصاعيب ـ وانتم مخلّية الصعب مرجعاني

فقاما بإعادة رحائله إليه( 20).

نماذج من علاقات قبيلة مطير بأهل البلدان النجدية:

موقف فجحان الفراوي النبيل مع الشيخ محمد بن عبد الله آل سليم وبعض كبار طلبة العلم والعلماء في بريدة ووجهائها:

في ولاية محمد العبد الله ابن رشيد حاكم حائل حصل للشيخ محمد بن سليم أذى كثير من بعض الأعداء، ووشوا به إلى محمد بن رشيد، وقد استدعاه إلى حائل بقصد تأنيبه وإهانته، ولكن الله الذي ينصر أولياءه جعل تلك الدعوة بعكس ما أراد محمد بن رشيد وأعداء الشيخ، فإنه لما دُعيَ بالشيخ ركب معه ما يقرب من ثلاثين رجلاً من كبار طلبة العلم والعلماء في بريدة ووجهائها، ولما صار على بعد ساعة للراكب عن حائل نزل للراحة والمبيت حيث يتمكن في الصباح الباكر من النزول في ضيافة الأمير محمد بن رشيد على أول جلسته كعادة حكام ذلك الوقت يستقبلون الوفود في أول الصباح، وقد جلس الشيخ في وسط الطلبة كالقمر تحيط به الهالة, وأخذوا يقرؤون وهو يشرح لهم مما وهبه الله من العلم، فحصل آية عجيبة وحكاية غريبة، فإن أحد المقدمين عند الأمير محمد بن رشيد من ندمائه ويدعى فجحان الفراوي، كانت له ناقة مع الرعية التي تسرح، ولما جاءت الرعية التي تغدو صباحاً وتعود مساء، حضر لتسلم ناقته فلم يجدها مع الإبل. فسأل الراعي عنها فقال: هي مع الإبل، فبحثوا عنها فلم يجدوها مع الإبل. فقال فجحان : للراعي: ما آخر عهدك بها ؟ قال: في مكان كذا ووصف له نفس المكان الذي نزل فيه الشيخ محمد ورفقته، فما كان من فجحان إلا أن ركب مطيته, وأسرع للبحث عن ناقته، فلما قرب من الشيخ ورفقته أناخ راحلته وعقلها، وأتى إليهم ليسألهم عن ناقته، ولم يعرفهم. ولما سلّم جلس وسمع الدرس وكلام الشيخ, نسيَ ناقته وأمرها، ولان قلبه لما سمع من القرآن والحديث والتفسير وشرح الشيخ، وغربت الشمس وأراد الانصراف، فطلب منه الشيخ أن يتناول معهم طعام العشاء فوافق، ولما انتهى من ذلك عاد إلى حائل دون البحث عن ناقته، وكأن الله قد ساقه لمصلحة الشيخ ورفقته نصرة لهم، ولما وصل إلى حائل قصد قصر الأمير محمد بن رشيد، وكان مقدماً عنده، فطلب مقابلته فقيل له إنه قد دخل عند النساء, فقال لا بد من مقابلته لأمر هام فأخبر الخدم الأمير بإلحاحه فظن في الأمر شيئاً مهماً، فدعا به ولما رآه قال فجحان: بصوت عال: الله وأمانه ما تضر الشيخ ابن سليم والخطباء الذين معه يقوم لك سعد. فقال الأمير ماذا تقول: فأعاد عليه ما قال أولا. فقال الأمير: من أين جئت ؟ قال: جئت من عندهم وهم في مكان كذا، ووالله إن هؤلاء لا يريدون الدنيا، وإنما يريدون الآخرة، فإياك وأذاهم، فما كان من الأمير إلا أن تغير موقفه نحو الشيخ ورفقته، فلما أصبح دعى برئيس الحاشية, وأمره أن يخبره إذا وصل الشيخ كما أمره أن يهيء له سكناً فسيحاً وفرشاً طيبة, وأن يكرمه غاية الإكرام، وكانت التعليمات السابقة بخلاف هذا, فلما وصل الشيخ قابله الأمير في منتصف الطريق بين المجلس والباب، واستقبله استقبالاً طيباً خلافاً لما كان يظن الناس، فعجب من ذلك الأمراء والحاشية، لأنهم كانوا ينتظرون من الأمير الفتك بالشيخ فما الذي غيّر موقفه ؟ وفي الحقيقة أنه تأثر بكلام فجحان الفراوي ـ فجزاه الله خيرا ـ ولما جلس الشيخ في مجلس الأمير عن يمينه، حضر أحد كبار طلبة العلم في حائل ويدعى الشيخ عبدالله الجبارة وهو من المحبين لآل سليم، فسلم على الأمير, واستأذن بالسلام على الشيخ، فأذن له ثم قال بصوت عالٍ: أرجوك أن تسمح لي بدعوة الشيخ محمد بن سليم لتناول طعام العشاء. فقال ابن رشيد: أنت تبي تعزم الشيخ محمد ؟ ـ كالمحتقر له ـ قال عبدالله الجبارة: نعم أبي أعزم ضيفك الشيخ محمد بن سليم, وقالها بصوت عال يسمعه كل من في المجلس، فردها الأمير مرة ثانية، وكررها عبدالله فقال الأمير: الشيخ اليوم عندي, وباكر عند عبد العزيز المتعب ـ ولي عهده ـ وبعده عند حمود العبيد، وهو من كبارهم، وبعده عند فلان، وبعده عند فلان، حتى عد ستة أو سبعة من كبار الرشيد، ثم قال: اليوم الفلاني عندك يا عبدالله، فشكر له عبد الله الجبارة استجابته لدعوته الشيخ وخرج، أما الذي وشى بالشيخ عند محمد ابن رشيد فقد بلغني أنه لما عاد من حائل لدغت حية فمات في الطريق قبل أن يصل أهله, فسبحان الذي بيده تصريف الأمور يعز من يشاء ويذل من يشاء والعاقبة للمتقين. وقد عاد الشيخ مكرماً معززاً بخلاف ما أراد أهل الأهواء والأغراض فلله الحمد والمنة على ذلك( 21).

موقف رجل من الجبلان مع سليمان بن صالح بن مفرج من أهل أشيقر:

هذا الخبر كان في عام 1233هـ وذلك في ربيع الأول في وقعة المعارة بين أهل أشيقر والجريفة قتل فيها سبعة عشر رجلاً من أهل أشيقر وسببها أن إبراهيم باشا كان نازلاً في بلد شقراء فأمر على أهل أشيقر بأحمال تبن فركب من أهل أشيقر ثمانية عشر رجلاً وذهبوا بإبلهم إلى الجريفة, وتسالفوها أحمال تبن وتوجهوا يريدون شقراء، فلما وصلوا إلى المعارة قابلهم ركب من قبل الإمام عبدالله بن سعود وعقيدهم ابن نصير، قد بعثهم يقطعون سابلة العسكر فقتلوهم كلهم إلا سليمان بن صالح بن مفرج تجمّل فيه رجل من الجبلان من مطير انهزم به حتى أتى به أشيقر(22 ).

موقف السور والحميداني مع أهل عنيزة:

بأواخر عام 1329هـ كانت قافلة لأهل عنيزة خارجة من الكويت وكبار هذه الحملة صالح العبدالعزيز السحيمي، وعبدالله الحمد القاضي، وسليمان العلي الغماس، وغيرهم فالتقوا بغزو من شمر عددهم قريب من مائة وخسمين رجلاً، عقيدهم عمش الفرير، ومعهم غزو من مطير على عقيدين: الحميداني، والسور وكان مع أهل عنيزة رفق من شمر هو راشد بن فهد العديم الشمري، ولما تراءت الفئتان أناخ كل منهم بمكانه وخرج راشد وقصد غزو شمر وقال: هؤلاء أهل عنيزة وهم في وجهي فلم يلتفتوا له, ولم يعبؤوا به طامعين بأموال القافلة، فرجع إلى رجال القافلة, وأخبرهم بما ردّ عليه أهل الغزو، وصاح يستحثهم على الدفاع والمقاومة، فأمروه أن يرجع ثانية إلى العقيد عمش ويقول له: إن أهل عنيزة مستعدين أن يعطوهم عشرة حمول رز وكيسين سكر وكيسين قهوة وربطة عبي، وربطة خام، فرجع إليهم وعرض عليهم ذلك، فصاروا يستهزئون به فلما تبيّن أن شمر طامعين فيهم أما المطران فقد أرسلوا إلى الجماعة أهل عنيزة وبلغوهم أنهم سيعتزلون عن شمر، وقالوا: كونوا آمنين منا فجاؤوا الشمامرة مغيرين هاجمين، وكان الجماعة قد استعدوا لمقابلتهم فقتلوا من رجالهم وركائبهم فرجع المهاجمون متشتتين، ثم أعادوا الكرة فقابلوهم أهل عنيزة بنار حامية وحمي وطيس المعركة, إلا أن البدو لم يثبتوا لما رأوا كثرة القتل فيهم, وفي ركائبهم ففروا هاربين لا يلوون على شيء بقوا الجماعة منتصرين يغنون أغاني النصر وكان عدد القتلى من شمر نحو ثلاثين رجلاً، ومثلهم جرحى، ومن ركائبهم التي ذبحت وكسرت نحو خمسين ذلولاً. أما المطران فقد أتوا إلى الجماعة في صباح اليوم الثاني فشكروا لهم الجماعة حيادهم وأكرموهم بشيء أعطوه لهم ولم يفقد من الجماعة أحد ولله الحمد( 23).
تقديم المسافر والغريب على أبناء القبيلة:
كان الملك عبدالعزيز يسير يوماً في بعض الأسواق قاصداً بيت ابن سليم أميرعنيزة فمر ببيت الخياط وسمع فيه رجل يصيح, فسأل عبدالعزيز ابن سليم عن هذا الصارخ فقال: هذا حمد بن علي الخياط في رجله جرح تضاعف مرضه حتى بلغ ركبته, ولم يترك شيئاً من الأدوية ما استعمله فلم تنجح. فقال له الملك: أرسله إلى الكويت مع يد خفية على حسابي وأنا أكتب لوكيلي بالكويت يعتني بعلاجه، قال العبيد راوي هذا الخبر: فاستدعاني عبد العزيز بن سليم, وأكراني إلى الكويت فحمتله على ركابي, وجعلته في محمل وجعلت للمحمل عيدان من خشب تطلع من المحمل أمامه ليمد رجله عليها فخرجنا من عنيزة مع مجموعة كبيرة يرأسها صالح العلي السليم, فلما انتهينا في معظم الطريق ووردنا على ماء مشهور يسمى اللصافة «ديار الجبلان» ونحن قد بلغ بنا الظمأ أشده من طول المحال فوجدنا أغلب مطير قاطنين على الماء, منهم ابن لامي وجماعته الجبلان, ومنهم مشاري ابن بصيص وجماعته، والقريفة وابن عشوان وجماعتهم، فنزلناه ونحن على ظمأ ولم نعلم متى يفرزون لنا حتى نشرب من الماء نحن وجمالنا نزلنا على الماء وابتنينا شرعنا ونمنا فيه ثم انتبهنا بعد ما زالت الظهيرة عنا, وأخذنا نحرك معاميل القهوة ونارها والعدة، وإذا قبالة شرعنا نرى بيوت البدو فقام رجل من قبيلة مطير ولبس ثيابه وأخذ سيفه كعادة من أراد زيارة من بجواره وقصد خيمتنا، فوصل وسلم ورددنا عليه السلام فجلس، وإذا حمد الخياط في طرف الشراع يتوجع ويصيح من وجع رجله فسألنا الزائر عنه وعن علته فأخبرنا عنها، فسألنا عن اسمه فقلنا :حمد الخياط فقال: هو الخياط راعي البندق؟ فقلنا: هذاك مات وهذا ولده فقال: ولده مكان أبوه ثم قال: أنتم شربتوا من الماء؟ فقلنا: لا، فأجابنا على فوره بحماسٍ وقال: خيال صبحا جبلي خيال صبحا جبلي أنا خو لهاب، «والله لتشرب بعارين راع البندق ماء والاّ دم هالحين» فدفعنا له القهوة فشرب منها فنجالاً وقام مهتماً وقصد إلى جهة البئر التي تشرب عليها البدو وإبلهم وأغنامهم, ففرز لنا معهم مشرب، وكانت إبلنا عدد ثلاثين بعيراً فاستدعانا لنشرب وقال لنا: كل عشر ورّدوها وحدها فتراسلت إبلنا على الحوض وشربت كلها حتى رويت، ودعى بما معنا من القرب فقال: املؤوها قبل زحام الناس على الماء فمليناها وشربت جمالنا حتى رويت نهلاً وعللاً، فقلنا: فرغنا فرجع معنا إلى خيمتنا فلما جلس قال: الآن طاب لي شرب القهوة حينما رأيت أنكم رويتم أنتم وجمالكم، ثم مد يده يتناول القهوة ويشرب كفايته ويقول لنا الذي ما يقدر الرجال الشجعان الطيبين ما هو رجل طيب ولو أنهم كانوا في قبورهم( 24).

ذيب الجبلي مع عثمان المحاسني:

سافر عثمان من بلدته الهلالية قرب بريدة, ليستعيد إبله التي كان قد أودعها عند بعض البدو عندما احتاجها لسقي مزرعته, فمر على قوم من الجبلان, وحضر حفلة عندهم ونسي أن يعقل إبله, ولما انتهت الحفلة رجع إلى إبله فلم يجدها, ثم بحث عنها ولم يعثر عليها, فأشار عليه أحدهم أن يبدي أمره وقصته على ذيب أحد رجال الأعنة المشاهير, فقال قصيدة منها:
اشكي على ذيب كما انه مضنّة ـــ مضن طيب وعادته يفعل الطيب
واعم بالنخوة عيال الاعنة ـــ اللي لهم يوم الملاقا مضاريب
الزرع مضمي والهبايب شونّه ــ ضاعت بكاري بين قوم واصاحيب

فقال ذيب: أبشر بهن, فقال بذكر فقال ذيب: بل أعطيك من عندي بكرتين وقرنهن بجمل وذهب معه رجل منهم حتى وصل ديرته, وأراد عثمان أن يعيدهن مع الرجل فرفض الرجل وقال: هذي عطية لك من ذيب( 25).

وكذا فإن أهل القرى يقومون بما تعارف عليه من عادات وتقاليد بينهم وبين البادية ومن ذلك قصة ركب من السقايين مع ضيف الله بن عميرة ودور أهل ضرية في نصرتهم قال ابن بليهد: لمّا أقبل ضيف الله على ضريّة وغزوه الذين معه مائة ذلول, والخيل ثلاثون فرساً, وقد اقبلوا على ضرية فرأوا جيشاً ليس بالكثير وكان هذا الجيش من بني عبد الله ابن غطفان وعددهم سبعة وعشرون ذلولاً, فلما رأى العبادل أن الجيش والخيل غارت عليهم, قصدوا ضرية لأجل أن يمنعوهم من الجيش القهار الذي ليس لهم به طاقة, فلما رأى أهل ضرية الركب الذي يُطرد من خلفه فتحوا باب البلد وأغلقوه دونهم, فلما وصل ضيف الله بن عميرة قال لأمير ضرية واسمه الغريب: أخرج علينا هؤلاء القوم فقال له أمير ضريّة: ما أبي منك يا بن عميرة إلا سلم أبي مع أبيك, «وعادة القرى في نجد كل بلد لها حرمة وهي المزارع التي يجري ماء البلاد عليها إذا دخلها الذي يُطرد منعوه أهل البلد» فلما كثر اللجاج بين أمير ضرية وضيفالله قال رئيس بني عبدالله وهم الذين دخلوا بلد ضرية لأميرها: خذوا لي وجهاً منه أُحب أن أواجهه, فأخذوا له أماناً وخرج من البلد واتجه بضيف الله فقال له: يا بن عميرة أمّنُي حتى أدخل مع هذا الريع فإذا خرجت من هذا الريع فقد خرجت من ذمتك, فقال: رضيت ورئيس الركب القليل يقال له: ضيف الله بن موهق ابن سقيّان من رؤساء بني عبد الله, وهو من أرمى أهل زمانه, وضيف الله بن عميرة من أرمى أهل زمانه, وكلا الإثنين معهما بندقيات الصمع فخرج الركب القليل من ضرية فلما دخل مع الريع أمر ضيف الله ابن عميرة قومه بالغارة, وتقدمهم على جواده فرمى خمسة رميات ولم يصب فيها شيئاً فالتفت إلى قومه وقال: إني أظن أن هذا اليوم هو آخر أيامي عندما رأى بندقيته لم تُصِب, فرماه ضيف الله ابن سقيان فأصابه في رأسه فمات منها ( 26). فقال حاد من السقايين( 27):
روّحن مثل جول الصيدــ قاضياتٍ غرضهنه
ابن عميرة رجس بالحيدــ اتلى الخبر جرّ له ونة

وقال ابن بليهد في الحديث عن منهل الدمثي: هذا المنهل هو الذي أُخذت عليه مغاتير محمد ابن هندي أخذها غزاة يرأسهم ابن بصيّص فلحقوهم المقطة جماعة ابن حميد, فلم يظفروا بردّها وحدثني رجل منهم يقال له: حسن بن صنيّف قال: قد يئسنا من الإبل, فما شعرنا إلا والإبل قد ثار عندها أصوات بنادق هائلة, فجئنا الإبل وهي بهل على أولادها وآخذها قد طرد عنها وإذا بشمروخ بن حويان العريدي من الروقة من عتيبة قد جاء و معه غزو من قومه, وهو من رماة أهل نجد المشهورين. فوجدنا كسيراً في رجله اليمنى وقد وضعها في قلص, ووضع عروتيه في رقبته ومعه أربعون رصاصة في حزامه, فوجدنا عنده عشرين فشقة, وهذه العشرون هي التي افتكّت الإبل فإنها لم يسقط منها واحدة إلا في رجُلٍ أو راحلة, فما شعرنا ونحن عنده إلا بالرئيس محمد بن حميد قد وصل ومعه مائة وخمسون خيّالاً, فحيّا كبير الركب شمروخ وأصحابه, قال شمروخ: أبشر بالسلامة من الصواب, فقال لنا: إذهبوا به إلى أهلنا فقد عزمت على طلبهم لعل الله يحيّرهم حتى أتمكن منهم, فلزم أثرهم و جدّ في طلبهم ولحقهم وهم قد أناخوا ركابهم ضيوفاً عند أمير المذنب فهد العقيلي, فطلب ابن حميد منه إمّا أن يخرجهم من بلادهم أو يسلّمهم لهو فرفض كلا الطلبين, وهذه عادة متّبعة عند أهل نجد إذا جاءهم رجل مطلوب فلهم حمايته من طالبه, وانتهت مسألة الرئيسين ابن حميد وابن بصيّص أن اجتمعا على مأدبة فهد العقيلي أمير المذنب وتعشيّا جميعاً وكل ذهب إلى أهله ( 28).

المراجع

( 1) «جريدة الجزيرة», سعد الصويان. بتصرف.
( 2) «النجم اللامع», مصدر سابق, ج2, ص 393.
(3 ) «المصر السابق», ج1, ص 102. بتصرف.
( 4) هذي عنيزة, ص 7.تاريخ قبيلة مطير. ص 946
( 5) دعسان بن شريان من الدياحين من واصل . وذكر البطحي أنه عبيوي كان مع جماعته في كون رواق مع أهل عنيزة, وسلطان : الشيخ سلطان الدويش. «المصدر السابق», حاشية ص 7. والصواب أنه ديحاني.
( 6) «مجلة المختلف», عدد 194, ملف وسم. وقال ليس بيلي: كان الحجاج في غير العرب يدفعون خاوة لعدة مشائخ على الدرب في نجد, ولكنهم الآن يتعاقدون مع حكومة نجد على دفع 72 ريالاً للفرد الواحد, ومن أصل هذا المبلغ يؤدي الأمير 20 ريالاً لشريف مكة, و 12ريالاً لشيوخ العشائر الواقعة على الطريق. «رحلة لويس بيلي», مصدر سابق, ص 60.
( 7) «البدو الرّحل», مصدر سابق, ص 103.
(8 ) «رحلة العقيد عبدالعزيز دولتشين», مصدر سابق, ص ص 158ـ160.
( 9) «تاريخ بعض الحوادث», مصدر سابق, ص 172.
( 10) «مخطوط ابن بسام», مصدر سابق, ص 143.
(11 ) «عقد الدرر», مصدر سابق, ص 26.
( 12) «المجتمع البدوي», مصدر سابق, ص ص129ـ130. قال ابن بليهد :حدثني خلف بن إبراهيم بن خلف من سكان الشعراء قال أُخذ إبل لنا، وأخونا من مطير عماش الدويش وخرجت من الشعراء إلى بلد الدوادمي طلباً للإبل يسترجعها .
(13 ) بلدة السويرقية.
( 14) المقصود بركة الشويّب. شيخ الشوايبة من ميمون
( 15) «مرآة الحرمين», مصدر سابق, ص ص 376ـ 377.
( 16) «شبة الجزيرة», مصدر سابق, ص 76.
( 17) المقصود بهم أصحاب الكيانات السياسية, والمراكز الاجتماعية العالية, وذلك لضمان سلامة قوافلهم.
( 18) «بادية نجد», مصدر سابق, ص ص 385 ـ 386. بتصرف.
(19 ) ذوي شطيط من ذوي عون .
(20 ) «النجم اللامع», مصدر سابق, ج2, ص ص 392 ـ 393.
( 21) «كنز من الماضي», مصدر سابق, ج1, ص ص 351ـ352 .
( 22) «علماء آل سليم وتلامذتهم وعلماء القصيم», صالح السليمان العمري, ص ص 27ـ 29. بتصرف.
( 23) «تاريخ ابن عيسى», مصدر سابق, ج2, ص 100.
( 24) «مطالع السعود», مصدر سابق, ج7, ص ص 474 ـ475. بتصرف.
(25 ) «النجم اللامع», مصدر سابق, ج1, ص ص 90ـ91.
(26 ) «من آدابنا الشعبية», مصدر سابق, ج8, ص ص 80ـ81. بتصرف.
( 27) «صحيح الأخبار», مصدر سابق, ج4, ص 115. و«النجم اللامع», مصدر سابق, ج2 , ص ص 303ـ304.
( 28) وقيل إن قاتله :ذعار بن موهق ابن سقيّان.
( 29) «صحيح الأخبار», مصدر سابق, ج5, ص ص 242ـ243.

للمزيد راجع كتاب تاريخ قبيلة مطير ( ص ص 945 ـ 960)

مقالات ذات صلة

اسبانيا العربية ..دور العبيد في الصعود والسقوط

فريق التحرير

مأزق النسب بين قواعد العلم والواقع !

فريق التحرير

خزانة التواريخ النجدية:صناعة الزيف التاريخي بأثر رجعي

نايف الفقير

حذف التعليق