مقالات

الدحة : في الحرب والسلم

تعد رَقْصَة الدحه للتعبيرعن الحسم في الْحَرْوب وَللفرح عند القدوم ونشوة للإنتصار , ومن هذا المنطلق أود في بـداية الأمــر أن أكتب عن دَوِر ( الْحاشَي ) الَّذِي كَانَت تَقُوْم بِه الْمَرْأَة أو الفتاة في تلك الحقبه من الزمن وهُو الْــدَوْر الْمَفْصِلِي لِلدحه والَّذِي قــد اخْـتَـفَـى منذ زمن بعيد جــدا . وقَـد تَعَرَّضْت الدحه لِلِتَشْوِيه وَالْتَّغْيِيْر خِلال الْعِقْدَيْن الْسَّابِقِيْن مِن الْتَّارِيْخ فَلَم تَـعُـد الْـدِحّة كَمَا كَانَت تُمَارِس عَلَى مَدَى مِئَات الْسِّنِيْن فَمَن الْمَعْرُوْف أَن وُجُوْد مَا يُسَمَّى بِالْحاشَي فِي الْدِحّة هُو جُــزْء أَسَاسِي مِن أَجْـزَاء الْدِحّة لاتَكْتَمِل بِدُوْنِه وَذَلِك لان الْدِحّة هِـي رَقْصَة الْحَرْب وَالْفَرَح والإنتصار والحسم للمواقف الصعبه فِي نَفْس الْوَقْت ، فَقَد كَان الْعَرَب فِي ذلك الْتَّارِيْخ يَعْبُرُوْن عَن نَصْرِهِم عَلَى الأعْـدَاء بعد قدومهم بِذِبْح حَاشَي وَهُو ابْن الْنَّاقِه الْصَّغِيْر وَيَبْدَأ الْرِّجَال يَجْتَمِعُوْن حَوْل الْحاشَي الْمُرَاد ذَبَحَه وَيَبْدَؤُون بِإِصْدَار أَصْوَات الْوُحُوْش لإفَزَاعِه
ثُم يَتَّقِدم أَحَدُهُم بَعْد أَنْ يَأْخُذ الْتَّعَب مَأْخَذَه مِن الْحاشَي وَيَبْدَأ بِنَحْرِه بِالْسَّيْف وَقَد أَخَذَت الْمَرْأَة دَوْر الْحاشَي لأثْبَات قُوَّتِهَا وَصَلَابَتُها وَتَحْدَيُّهَا لِلْمَخَاطِر وَالَّتِي لا تَــأْبَــه الاعْدَاء،وَقَد كَانَت غَالِبَا مَن الْلَّوَاتِي يَتَمَتَّعْن بِشَخْصِيِّه قَوِّيَّة وَدَوْر قِيَادِي عِنْد الْعَرَب وَقَد سُمِّيَت بِحاشَي الْدِحّـة الَّتِي قَد تَجْرِح أَوَلَـرُبِما تَقْتُل مَن يُحَاوِل مُبَارَزَتَهامِن الْفُرْسِان وَالَّـذِي يُحَاوِل بِمَهَارَتِه الْفَائِقَة الْنَّجَاة مِن هَذَا الْمَصِيْر وَغَالِبَا مَا تَنْتَهِي الْمُبَارَزَة بِتَفَوُّق الْمَرْأَة ، وَمِمَّا يُدَلِّل عَلَى قُوَّة الْمَرْأَةَ الْحاشَي وَصَلابَتُها
كمَاحَصَل لأحد الشعراء حِيْنَمَا قَام أَحَد شَبَاب الْقَبَائِل بِتَحْرِيض احدى الفتيات عَلَى قَتْلِه أَثْنَاء الْدِحّة لأنَّه كَان شَاعِرا مَوْهُوبَا وَتَعْشَقُه الْفَتَيَات لِذَلِك أَرَادوا الْشَبَاب أَن يَتَخَلَّصُوا مِنْه غَيْرَة وَحَسَدَا وَحِيْنَمَا شعر وأَحَـس بِاقْتِرَاب نِهَايَتِه قَـال :ـ
إنْ ذِبِحتِيْنِي يـاذَبِّحَه ,,,, غَرِيْب ولاحّدِن بَاكِيْنِي
وَأَنُ خَلْيتِيْنِي يَا ذَبَحَه ,,,, أُمِّي عَجوَزُ وَتَرِجينِي
فَقد رَمَت الِسَّيْف مِن يَدِهَا وَعَفَت عَنْه ، وَمِن ضِمْن لعب الْدِحّة أَن تَخرج إِحْدَى الْفَتَيَات فيخرجها ولي أمرها الى سَاحَة الْلِّقَاء ومنهن من يقوم أَخوها وَيَمْنَعُهَا مِن الْلَّعِب وَيقومان بالجلوس أمامهم وهذا مَا يُسَمَّى
( رَبَط الْحاشَي )
ثُم يُوَاصِل شَاعِر الْدِحّة فِي اسْتِنْهَاض هِمَّة الْرجل الَّذِي رَبَط الْحاشَي متطرقا لمدحه وتلبية مايطلبه من خلال القصيد , ثُم يُطلق الْرجل سَبِيِل الْفَتَاة الْحاشَي ويقفون من بعد أن كانوا جلوس وَهَكَذَا تقترب بِالْنُّزُوْل حَامِلَه الْسَّيْف بِيَدِهَا وَتَبْدَأ تتخطى بشكل بَطِيء فِي بداية الْأَمْر ثُم يَنْبَرِي لَّهَا الْشَّاعِر أو أحد أقربائها وَهُو يَحْمِل عَصَا لَيَتراوغان الاثْنَان , كُل يُحَاوِل أَن يَدُرَّاء الاخِر مِن الاقْتِرَاب مِنْه كالمبارزه ، وَمِن أُصُوْل الْدِحّة أَنَّه يَحِق لِلْفَتَاة الحاشي أَن تَجْرَح مَن يُلاعبها كَمَا كَان فِي الْسَّابِق أَو لْبَرُّما قَد تنتزع عْقَّالّه من فوق رأسه ليسقط أرضا إِمْعَانَا فِي أَهَانَتْه وَاثِبَات تَفَوُّقِها عَلَيْه ، كُل ذَلِك يَحْدُث بَيْنَمَا تَعْلَوا أَصْوَات الدواحيح مُرَدِّدَة بِشَكْل جَمَاعِي أَصْوَات الهدير الضخمه أوما يشْبِه زَئِيْر الأسْوَد وَهُم يُوْغِلُون فِي الدح : أي التَصْفِيْق بإِيِقَاعِ حَاد وَمُتَوَتِّر وَبَطَبَقِه صَوْتِيَّه غَلِيْظَة . وَهَكَذَا نَجَدُأن دَوْر الْحاشَي الَّذِي كَانَت تَقُوْم بِه الْمَرْأَة في الزمان الماضي القديم كَان هُو الْدَوْر الْمَفْصِلِي الْمُهِم للْدِحّة وتشير أيضا الْدِحّة بأن المرأه الحاشي تكدح وتصبر على أمور الحياة
خيرها وشرها ويمكن الأعتماد عليها , بكثير من ألأمور . ومنهن ماتتفوق عَلَى الْرَّجُل وَإِبْرَاز شَجَاعَتِهَا وَقُوَّتِهَا فِي مُوَاجَهَة الاعْدَاء فَقَد كَان الْمُجْتَمَع فِي ذَلِك الْزمن يَنْظُر إِلَى الْمَرْأَة الَّتِي تَقُوْم بِدَوْر الْحاشَي نَظْرَة احْتِرَام وَتَقْدِيْر وَافْتِخَار لثقتها بنفسها وكونها قادره بأن تدافع عن نفسها إن لزم الأمر . وإن كان ذلك فإنه في زمن بعيد جدا . فَقَد كَان الأقَارِب وَأَبْنَاء وَبَنَات الْعُمُوْمَة مُتَقَارِبَيْن مَع بَعْضِهِم الْبَعْض وَكَانَت الْعِلاقَة بَيْن الْنِّسَاء وَالْرِّجَال عَلاقَة أُخُوَّة وَشَهَامَة وَنَخْوَة وَحِشْمَة وَاحْتِرَام لاتشيبها شائبه بَل كَان الْرَّجُل يُعَامَل الْمَرْأَة الْغَرِيْبَة كَمَا يُعَامِل ابْنَتَه أَوَشَقِيقَتِه . فإن ــ كل إناء بما فيه ينضح ــ
وَإن فلكلور الْدِحّة يَحْتَاج الَى من يتعرف عليه ويتوغل في أعماقه مِن مُخْتَلِف الْوُجُوْه وإن مَايُعْرَض فِي الْتِّلْفَاز وَالمَحَطَّات الإذاعيه وغَيْرِها عن الْدِحّة فَهُو مُنَاقِض تماما ولا أصَل له بالْدِحّة ونَمطها البته . هناك أَخْطَاء شَائِعَة : – هناك من إعتمدوا لتشويه الدحه وإعطاء فكره سيئه عنها لأغراضهم الشخصيه وقد حاولوا منذ زمن أن يشوهون جميع مايخص القبيله ومنها التراث الخاص بنا وجميعكم !! لمستوا بل أوجستوا حر الصواب !! وهناك من يعمـد الَى عَمَل بَعْض الْحَرَكَات اثْنَاء الْدِحّة مِن بَاب الْمُدَاعَبَة وَالْمَرَح وَإِلا فَهِي لَيْسَت مِن صَمِيْم وَأُصُوْل الْلُّعْبَة وكالزغَاريد المتواصله وَنَهْش كَتِف الَّذِي بِجَانِبِه
او غَيْر ذَلِك فَيَظُن قَلِيْلِي الْخِبْرَة بِأَن هَذِه الْحَرَكَات مِن صَمِيْم الْلُّعْبَة وَمَع الأسَف تَنَاقَلُوْهَا حَتَّى شَاعَت وَشُوِّهَت الْدحـه دُوْن ادْرَاك مِنْهُم أو بإدراك متعمد القصد منه تلويث هذا اللون الشعبي . كَالذين جعلوا من الدحه أغنيات فِيـدْيُّو كَلْب
وكذلك ممن أدخلو عليها ألحان موسيقيه حديثة فقد أسائوا أولا لأنفسهم وأسائوا للْدُّحّه كونها موروث شعبي أصيل يخص قبيله !! وَأعْطِوا عنها صُوْرَه لا تَلِيْق بِهَا كَـفَـن عَـرِيْق وأمثالهم كثيرون ممن أسائوا بنقل الصوره عن الحاشي بتصاوير وتشويهات غير لائقه .. ولاتمت للحقيقه بصله إطلاقا . فهذا ما أردت توضيحه للجميع . ونعود لوصف الدحه فإنها فن شعبي تاريخي عريق قد جمع سيوف العرب حتى صاروا سيفا واحدا بإنتصارهم على الفرس . علامــات تفرض نفسها هل تستحق الدحه التشويه !! هل تستحق إسقاطها وإنكارها من التراث الشعبي !!

الصوت في الدحــه :
( زئــير الأســـود أو هــديـــر الزمــل ) الدحــه : هي تراث قائم في الشمال منذ اكثر من 1600سنة والى وقتنا الحاضر
وهي عبارة عن اهازيج واصوات تشبه الى حد كبير زئير الأسود او هدير الجمال وتنتشر الدحة في شمال السعودية وبادية كل من الكويت والعراق وسوريا والاردن ومايميزها هو انفرادها باكثر من فن كالشعر واللعب ورقصات الحرب المجتمعه بها . وتعتبر الدَحة إحدى الفنون الشعبية للعديد من قبائل الشمال مثل : قبيلة الــروله وهم ممن تنسب لهم .
وكذلك عنزه وقبائل الشمال الاخرى . والدحة نوع من أنواع الشعر الصعب وهي تلتزم بقافية ذات قاعدة ثابته يقول فيها الشاعر ما يشاء مرتكزا على قاعدة الشطر الأخير من مجموعة البيت الأول ، ويتحدث بيت القصيد في كلمات الشاعر بمقطوعة سرد لموضوع قصصي هو جوهر ما تم الإجتماع عليه كوصف لمعركة أو حــدث واقعه مـا أو وصف لـديار أو قبيله أو هجاء أو مدح .
نـشأتـهـا :
عندما لجأت هند بنت المنذر في العراق لقبايل بكر بن وائل العنزيه هرباً من بطش فارس كسرى الذي أراد اهانة القبائل العربية واستباحة شرفها ، فقد تداعت جموع ابناء وائل (بنو حنيفة في اليمامة و بنو عبد القيس وتغلب وجميع ما ذكرو يرجع نسبهم الى عنزه وغيرهم من ابناء القبائل لنصرة ابناء عمومتهم البكريين ) وإجتمع الجيشان لأول مرة في مكان يدعى ذي قار ، والوقع شمال المملكه مع حدود العراق وبلاد الشام وتحديدا في منطقة طريف حالياً ويقول بعض المؤرخين إنه هو ـ وادي أبو القـور ـ شمال عرعر ،، والله أعلم

حيث اجتمعو بنو وائل (عنزه) وجيش كسرى الفارسي المنظم والمدجج بمختلف أسلحة ذلك العصر … وكان من ضمن جيش كسرى العديد من الفيلة التي كانت تفوق الخيول طولا وجبروتاً فكانت الاصابات عديدة بين الطرفين وفي المساء تشاورو ماذا يخيف الفيلة فهتدو الى ان ( زئير الاسود ) تخشاة الفيلة فتناخى القوم مع احلافهم من بقية قبائل العرب وكسروا الفرس في معركة ـ ذي قار ـ الكبرى وبدأت نشوة الانتصار تدب في قلوب ابناء القبيلة ومن هنا انطلقت بدايات الدحة من هذا الموقف العظيم حيث صفوا الرجال جميعاً وهم وقوف وأخذوا يؤدون هذا اللون الشعبي الاصيل تعبيراً عن نخوتهم وشهامتهم لبنت المنذر وحمايتهم لها من اقوى دولة في ذلك العصر . ومن الملاحظ ان هناك قبايل تقوم بهذا الفن ذلك لانه واقعة المعركة كانت في الشمال .. ولانه كان في ذلك الزمان مايكون لدى القبيلة الكبيرة تتمثل به القبائل الأخرى الصغيره . و بذلك تكون أول معركة حربية في تاريخ العرب تخوضها القبائل العربية في الجاهلية ضد جيش اجنبي منظم وتنتصر عليه ، وكانت المعركة التي كسر فيها العرب هيبة الفرس في الجاهلية قبل الاسلام ، ولا زالت القصة رغم قدمها منذ 1600 عام يتناولها ابناء القبائل التي انتصرت في ذي قار في مجالسهم ويتغنون بها في اشعارهم الحماسية .
قال الشاعر : ابو الكلبة التيمي البكري العنزي مفتخراً بقومه في يوم ذي قار :-
لـولا فــوارس لا مـيـل ولا عـــّـزل
مـن الـلـهـازم مـا قـظـتـم بـذيـقــار
وقصيده الشاعر: الاعشى من بكر بن واائل :-
وخيل بكر فما تنفك تطحنهم
حتى تولو وكاد اليوم ينتصفـو
لما التقينا كشفنا عن جماجمنا
ليعلمو اننـا بكـر فينصرفـو
اذا أمالو الى النشاب ايديهم
ملنا ببيض فضل الهام يختطفـو
لو ان كل معد كان شاركنا
في يوم ذي قار ما أخطاهم الشرفو

مقالات ذات صلة

كتاب الحداوي للأمير محمد الاحمد السديري

فريق التحرير

مدينة الحجر ( مدائن صالح )

فريق التحرير

عندما كذب الظاهري على منير العجلاني

فريق التحرير

حذف التعليق