مقالات

من مواطن بني وائل عين التمر ( شثاثا)

تعتبر عين التمر او ( شثاثا) كما اصبح اسمها وشاع في القرون المتاخرة من اقدم القرى التي ارتبطت بالتاريخ الوائلي ، ومع ذلك لم يوفها التاريح حقها ولذلك رأيت أن نسلط الضوء عليها وسنعلم من ثنايا المقال مدى اهميتها لدى بني وائل وعلاقتها بتاريخ ربيعة ككل .

الموقع :

تقع عين التمر في العراق وفق الخارطة السياسية المعاصرة ، وتبعد حوالي 70 كلم عن مدينة كربلاء باتجاه الغرب ، وتعتبر جزء من بادية الانبار التي تقع جنوب الجزيرة الفراتية ، وتنتشر بها العيون الجارية وعدد كبير من من مزارع النخيل والذي كان الافضل من نوعه عالمياً لولا الظروف الدامية التي مرت في العراق في الخمسين عاما الماضية ، وبالقرب من عين التمر تقع بحيرة اسمها الرزاز ( انظر الصورة )

وكلمة ( شثاثا ) في الاصل قرية تتبع (عين التمر ) الا ان الاسم ( شثاثا ) غلب عليها واصبحت تعرف به من باب غلبة اسم الجزء على الكل ، يقول أحد عبيد آل هذال شيوخ مشايخ عنزة في قصيدة مشهورة عن العمارات ن بني وائل ومواطنهم :

اقصى منازلهم شثاثا ولملوم
وادني منازلهم دحي النعامي

وقد غلب اسم شثاثا او ( شفاثا ) حتى كاد ان ينسى الاسم الاصلي ، غير ان الحكومة العراقية غيرت الاسم الرسمي سنة 1938م من شثاثا الى ( عين التمر)

علاقة عين التمر بقبيلة بني وائل ربيعة منذ القدم

بعد انتهاء الصراع بين بطون ربيعة الكبار بكر وتغلب وعنزة والنمر بن قاسط بعد ان اصلح بينهم ملوك الحيرة ، فتوسط ملك الحيرة لهم عند ملوك الفرس ان تكون عين التمر موطن لهم يمتارون منه اذا اجدبت بلادهم وباديتهم ، ويتجهزون منه لاعدائهم واعداء الفرس وملوك الحيرة الذين هم حلفائهم ، وكان الحيرة تقع بالقرب من عين التمر وعليها بني المنذر الحكام والذي تقع تحت ولائهم قبائل العرب الشمالية كلها واهمها ربيعة ، قبائل تميم ، قيس عيلان ، وقضاعة ، ولخم وجذام وطيء وتنوخ وغيرها .
وقد حاولت قبيلة بني تميم منافسة قبائل بكر على هذه المكانة لدى الفرس وحلفائهم ملوك الحيرة العرب ، وليست فقط تميم بل حتى بني تغلب والنمر كانوا ينافسون بكر على الريادة لدى الفرس لكن عداوتهم لتميم وقرابتهم كانت تجمعهم ، وخاصة ان بكر كانو لايستوطنون قرب عين التمر طوال العام بل هم بادية مابين اليمامة والعراق وفي صراع مرير مع تميم .
وقد أدت عين التمر خدمات جليلة لبني وائل ، فعلاوة على انها مصدر غذاء ومؤونة لقبائل ربيعة ، فهي مركز تسليح وعتاد ، وخاصة ان عدد كبير من ربيعة التحق بسرايا ملوك الحيرة وهي السرايا التي كانت لها اسماء مثل الشهباء والدوسر وغيرها .
وخير دليل على توظيف قبائل بكر لعين التمر في خدمة صراعهم مع تميم هو انهم لجاوا اليها يوم الاياد وهو احد اعنف ايام بكر مع تميم في الجاهلية ، حيث وتحصن الوائليون في عين التمر وتسلحوا منها وامتاروا بعد ان هزمتهم تميم وكادت تفنيهم الا ان تحصنهم في عين التمر كاد ان يقلب الانتصار التميمي في ذلك اليوم الى هزيمة ، ولذلك فان قبائل بكر من اللهازم وبني ذهل لم تشتبك مع تميم الا بالقرب من عين التمر طوال التاريخ الجاهلي القصير السابق للاسلام .، وبعد يوم ذي قار مع الفرس ساءت بطبيعة الحال علاقة بكر بالفرس ، ويبدوا ان بني تغلب والنمر كانو يحرضون الفرس ضد بكر وعنزة ، فكان ان طرد البركيون والعنزيون مؤقتاً من عين التمر وبقيت خالصة لتغلب والنمر .

عين التمر في العهد الاسلامي :

آخر يوم خاضته بكر مع تميم هو يوم الشيطين الذي يقول فيه رشيد العنزي الشاعر :

وماكان بين الشيطين ولعلع
لنسوتنا الا مناقل أربع

والشيطين تقع جنوب عين التمر وقريبة للحدود السياسية المعروفة اليوم بين السعودية والعراق ، ويرجح الشيخ حمد الجاسر انها بهضبة الدبدبة المعروفة اليوم جنوب الحفر .
لم تلبث قبائل بكر ان اسلمت بعد ذلك اليوم وبايعت الرسول صلى عليه وسلم ، بينما بقي بني تغلب بالانبار والجزيرة وخلصت لهم عين التمر دون بكر وهم على دين النصرانية .
ومع ولاية ابي بكر الصديق (11هـ – 13هـ) ارتدت بكر وعنزة وبني حنيفة، فهزمهم ابو بكر الصديق ببلاد البحرين بيوم جواثا قرب القطيف ، فأسلموا والحقهم ابو بكر الصديق تحت امرة خالد بن الوليد الذي اصبح قائدا للجبهة الشرقية في الفتوحات وهي التي كلفت بمهمة ضم العراق وفارس لحضيرة الدولة الاسلامية .

استعادة بكر وعنزة للبلدة في يوم عين التمر سنة 12هـ

كان ابو بكر رضي الله عنه سياسياً بارعاً ، لذلك عندما وجه خالد بن الوليد الى الانبار حرص ان يكون رأس جيشه قبيلة بكر بن وائل ، لانه يعرف انهم متلهفين لاستعادة املاكهم في الانبار وعلى رأسها عين التمر التي اصبحت بيد بني تغلب والنمر ابناء عمهم ، ولايفل الحديد الا الحديد ، او كما قال الشاعر في العهد العباسي :

لاتبعثن إلى ربيعة غيرها
إن الحديد بغيره لا يفلح

فسارت جيوش المسلمين بقيادة خالد بن الوليد ومقدمته راية بكر وعليها قائدين من القواد : المثنى بن الحارثة الشيباني والافكل العنزي يقصدون عين التمر ، فاستعدت لهم تغلب وحلفائها الفرس وعلى تغلب اميرهم هلال بن عقة ابن بشر النمري .
وخذل الفرس هلال البشر النمري ، فاسقط في يده ، وهزم في المعركة وقتل وصلب وهربت قبائل تغلب والنمر الى تكريت الا من اسلم منهم او استسلم ، ثم قام ربعي بن الافكل العنزي ومحدوج الذهلي بمطاردة بني تغلب في تكريت حيث لهم هناك وقعة مع تغلب والنمر ليس هنا مكانها وهي التي انتهت بفتح الموصل ، وفتح الله عين التمر على المسلمين وعادت بكر وعنزة لأملاكها في عين التمر .
يذكر ان الهذيل بن عمران التغلبي صعق لمقتل هلال بن البشر في عين التمر فجمع جمعا من تغلب وبكر ونصارى ربيعة الا انه هزم ايضا قرب دومة الجندل وقد هزمته تميم ، كما انه يجدر بنا ان نقول ان هلال بن بشر هو ابو الحي الذي عرف في تغلب وائل بأسم ( البشر) ولازال هذا الحي الكبير يشكل أكثر من نصف قبيلة عنزة الوائلية الحالية وبنفس الاسم ، كما سمي به جبل بالجزيرة الفراتية كان معروفا الى فترة قريبة ، ثم قرية بشر قرب خيبر منذ القرن الثامن الهجري وحتى اليوم .

نوعية سكان عين التمر في تلك الفترة

لاتسعفنا المصادر بنوع السكان بالتحديد في تلك الفترة ، ولكن نستطيع ان نستنتج ووفق المعطيات المعاصرة والمعروفة ان العرب عادة يولون الموالي والعبيد والنبط زراعة الارض مقابل المشاركة والاقامة بالأرض وتعهدها ، لان عادة العرب رحل ، وقد اورد الطبري المؤرخ ان ابو بكر الصديق رضي الله عنه اخذ عددا كبيرا من موالي عين التمر وبعث بهم الى المدينة كغنائم ، وبالطبع لم يكون اولئك من بني تغلب او النمر لان العرب ترفض هذا الامر فيما بينها ، كما ان هناك اتفاقاً مع قبائل تغلب منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم بان لهم دينهم ولايعاملون معاملة الذميين وغير العرب على تضاعف جزيتهم، ومن أشهر من تم سبيهم من موالي عين التمر كان سيرين وهو والد التابعي الشهير ومفسر الاحلام محمد بن سيرين .

عين التمر في التاريخ الاسلامي

لايتحدث التاريخ كثيرا عن عين التمر بتفصيل ربما لانها ليست من العواصم والمراكز ، لكنها كانت مسرحا لعدد كبير من المعارك والاحداث التاريخية الهامة ، فقد وردها علي بن ابي طالب عندما اندلع الصراع بينه وبين معاوية بن ابي سفيان سنة 37هـ ، ووردها وشرب منه وامتار الامام الحسين بن علي عندما خرج على يزيد سنة 41هـ ، وكان معاوية بن ابي سفيان يعلم الاهمية الاستراتيجية لعين التمر فكان اول اول اهدافه عندما بدات حربه مع علي بن ابي طالب سنة 36هـ ، ولذلك يقدس الشيعة الى يومنا هذه المناطق وقد اقيمت بها عدد من المزارات والحسينيات كعادة ابناء هذه الطائفة .
ومن المعروف ان موقف قبائل ربيعة كان مؤيداً لعلي بن ابي طالب ضد معاوية ، ربما لهذا وضعت خدمات عين التمر في تصرفه ابان المعارك مع خصومه .
وفي سنة 76هـ خرج على حكم بني امية شبيب الشيباني الخارجي ، وكان يريد ان يستولي على عين التمر ويتخذها قاعدة لاطلاق حملاته ، فحصنها الحجاج بأغلب جنده ولم يمكن شبيب من دخولها رغم محاولاته المستميتة وخاصة انه يعلم اهمية هذه المنطقة لقبيلة ربيعة التي كانت تشكل الثقل الاكبر في العراق .
ثم خرج بهلول بن بشر الشيباني سنة 119هـ وتحصن في عين التمر لكنه اضطر للهروب منها بعد وصلتها قوات بني امية في عهد هشام بن عبد الملك ، ثم ثار الاشهب العنزي بالموصل وحاول احتلال عين التمر وفشل بذلك ، ثم ثار الضحاك بن قيس الشيباني بالموصل اواخر ايام الدولة الاموية واحتل عين التمر ووضع عليها مقاس العائذي ( وهو من بني جشم الذي دخلوا في بني هزان عنزة وهم من قريش )
وفي العهد العباسي نعمت عين التمر بالاستقرار وخاصة اوائل ذلك العهد ، فخرج منها اعلام منهم ابو العتاهية العنزي بالولاء ومندل بن علي العنزي الكوفي المحدث وهو الذي شارك العباسيين في احتلال الموصل وطرد بني امية منها ، وسكنها ابناء معن بن زائدة الشيباني والذي كان والدهم معن شيخ ربيعة في زمنه ، ولهم مع ابي العتاهية مواقف وقصص طريفة سجلها الاصفهاني المعروف بكتابه الاغاني .
وقد شهدت عين التمر في اواخر العهد العباسي صراعات مريرة بين قبائل مضر مثل بني اسد وقيس عيلان وبين ربيعة ، وقد استولى عليها بني شيبان بتحريض من الحمدانيين امراء ربيعة سنة 286هـ ، وعاثو بها فسادا وطاردتهم القوات الحكومية وهربوا الى الجزيرة ، لكن الحمدانيين وبعد ان قوي امرهم سنة 293هـ اعادو عين التمر الى اصحابها ربيعة مع بقاء عرب بني اسد كبادية حولها.
وفي سنة 316هـ استولى القرامطة على عين التمر ، وعلى رحبة مالك بن طوق ، وتناوخ القرامطة مع ربيعة في الجزيرة وسنجار وهزمت ربيعة ، الا ان الحسين بن حمدان امير ربيعة قاتل القرامطة وهزمهم واخرجهم فيما بعد من العراق واستعاد ديار ربيعة كاملة بما فيها عين التمر .

هجرة بني وائل من عين التمر :
بالنسبة لي لا أرى انها هجرة ، ومن الاصل كوننا ننسب عين التمر الى ربيعة عموما او عنزة الوائلية المعاصرة فليس معناه انهم كانو ساكنين داخل هذه البلدة ثم انتقلوا منها الى غيرها .
المعنى ان عين التمر كانت حتى قبل القران السادس الهجري من املاك بني وائل وبها نخيلهم ، وقد اخلوها وتركوها لغيرهم من القبائل ، ومن ثم استبدلوها ببلد في مكان آخر له نفس الخصائص لو نلاحظ الا وهو خيبر قرب المدينة النبوية .
وأول من نقل خبر انتقال عنزة الوائلية المعاصرة من عين التمر كان ابن سعيد الاندلسي المتوفي سنة 685هـ ، وقد نقل الخبر من احد الجغرافيين واسمه البيهقي لاتحضرني ترجمته الآن ، ونقل عنهم خبر انتقال عنزة وتحولها عن عين التمر كل من ابن خلدون المتوفى سنة 707هـ ، والعلامة احمد القلقشندي المتوفى سنة 821هـ .
وأكدها شارح ديوان ابن المقرب العيوني حيث ذكر قدوم عنزة الى خيبر وبها بنو جعفر الاشراف من ذرية جعفر الطيار ، وذكر الشارح ان عنزة حصل بينها وبين بني جعفر هولاء عدة حروب انتهت باستملاك عنزة لخيبر وبساتينها وعيونها منذ منتصف القرن السابع الهجري والى هذا اليوم .
والحاصل لدي ان عنزة لم تهاجر وتنقطع صلتها بالعراق وحتى الشام نهائياً طوال التاريخ ، بل ان كل ماحصل ان قبيلة عنزة بحاجة لقاعدة تموينية للغذاء الاساسي للبدو الرحل وهو التمر ، وبالتالي كانت عنزة بحاجة لبلدة تقوم مقام عين التمر فكانت خيبر .
كما ان عنزة التي انتقلت هي عنزة الربعية الوائلية والتي انتسب وانضم لها كل فروع ربيعة في العراق حيث ان عين التمر كانت ديارهم وهذا واضح من سياق التاريخ وليس افتراضاً وتخرصاً .

مقالات ذات صلة

كتاب الحداوي للأمير محمد الاحمد السديري

فريق التحرير

صراع الهويات المصطنعة

فريق التحرير

توضيح هام حول المسألة الوائلية واصدق الدلائل

فريق التحرير

حذف التعليق