قد لا نبالغ في القول بأن لكثير من علماء الغرب من الرحالة و المستشرقين يداً طولى في تقديم الدراسات الموضوعية و كتب الرحلات التي تحوي معلومات و ملاحظات مفيدة عن الصحراء العربية و باديتها.
غير أننا لا نستطيع القول بأن كل ما كتب عن البادية العربية كان صادقاً موضوعياً, فالبعض منهم لم تخلوا كتاباته و ملاحظاته من الهوى بل ومن الحقد أيضاً فهذا الرحالة الشهير \”بلجراف \” في معرض
حديثه عن الكرم عند البدو يقول ( إن كرمهم ناتج عن عدم اكتراث همجي, أكثر من كونه ناتجاً عن نبل خلق حقيقي… إن البدوي يحب الضيافة من كل قلبه رغم كونها ضيافة خرقاء, مزعجة, وهي جديرة بالإطراء و لكنه إجمالاً طفل قليل الأدب, خنق الإهمال المتطرف خلاله الفطرية الحسنة)) , و رغم تحامل \” بلجراف \” هذا إلا أن الانطباع العام عن البدو يعد الكرم من أهم صفاتهم و أفضلها, فإذا أقبل ضيف عند قبيلة من قبائل البدو تسابقوا لضيافته أو تناوبوا في أداء واجب الضيافة نحوه , و(( لا يتأخر البدوي عن خدمة ضيفه و يبذل كل غال لديه وهو راض تماما ً مادامَ يؤدي واجب الضيافة الذي يعتبره واجبا مقدساً)) و الذين يخالفون \” بلجراف \” من علماء الغرب أنفسهم كثيرون, فأغلبهم اثنا على الكرم عند البدو و اعتبروها عادة نبيلة تشرف الإنسانية بأسرها , فهذا الرحالة (دار فيو) يرى أن الكرم الذي يظهرونه نحو الضيف لا يتأتى عن حبهم للضيافة فحسب ,بل هو التزام شرف عندهم , ويضيف قائلاً (عندما يقوم المرء بزيارتهم بدافع من سلامة النية , يرى أموراً تستطيع إخجال أمم أوروبا التي لا يقدر الإنسان أن يعيش بينها إلا بقوة المال))
(( و هناك واقعة سجلها أحد الفرنسيين في كتاب وصف مصر يروى فيها أن العربان أسروا ذات مرة ضابطاً فرنسياً. و بعد أن هاجمتهم إحدى الوحدات الفرنسية فرت القبيلة و تفرقت و هام شيخها في الصحراء و بصحبته ( الأسير الفرنسي) ولم يعد معه سوى قطعة من الخبز هي كل طعامه فاقتسامها مع الأسير الفرنسي قائلاً: ربما سأحتاج إليها غداً لكنني لا أتحمل لوم نفسي لو تركتك تموت من الجوع لأضمن أنا حياتي. و يعلق (ايميه) عل تلك الحادثة بقوله: أن مثل هذه الأخلاق و الطباع لتشرف الإنسانية بأسرها ولا ينبغي علينا بالمثل هذا الكرم بين أبنائها لكن السوءات هي التي تلفت انتباهنا بشدة بينما تهون الفضائل و ربما كانت حياة البادية لها أثر كبير في صون أخلاق ساكنيها من التحلل من معظم الفضائل ))
